30 سنة من الصداقة والتعاون بين المملكة المغربية وجمهورية أذربيجان “1992-2022”

د.فؤاد الغزيزر

باحث في العلاقات المغربية الآسيوية

 

 

 

تعتبر العلاقات المغربية الأذربيجانية متميزة بفضل التقارب الحاصل في المواقف والرؤى والدعم المتبادل في المنظمات الدولية من جهة، والرغبة المشتركة في مواصلة تعزيز أواصر الصداقة وتنويع التعاون من منظور التآزر والمنفعة المتبادلة من جهة أخرى.

ومنذ استقلال “أذربيجان” عام 1991، وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب منذ غشت 1992، تعززت الروابط المغربية الأذربيجانية أكثر، إلى جانب التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين، كما أن لكل من الشعبين تراث حضاري قديم، وهو عنصر جذب للطرفين.

أهمية الموقع الاستراتيجي للبلدين

أن موقع دولة “أذربيجان” في مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا وأهميتها الاستراتيجية في القوقاز، وموقع المملكة المغربية الاستراتيجي بين أوروبا والعمق الإفريقي وآسيا، مع واجهة بحرية مطلة على الأمريكيتين، يختزن مؤهلات ضخمة جديرة بالاستثمار لفائدة التعاون والتواصل الثقافي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين، فضلا عن مواصلة جهود الإشعاع الحضاري على المستويات القارية والدولية.

فالمغرب بالنسبة لأذربيجان وجهة استراتيجية للتعاون لأنه يشكل جسرا بين أذربيجان وأوروبا وتنمية التعاون الاقتصادي لأذربيجان في القارة الأفريقية، مع احتساب عامل ارتفاع مستوى الثقة والتعاون بين بلدينا في المجال السياسي.

وتعتبر الدبلوماسية السياسية والاقتصادية الحكيمة والمتوازنة للمملكة المغربية الأساس الراسخ الذي أنشأه المغفور له الراحل الملك الحسن الثاني، والذي طوره جلالة الملك محمد السادس نصره الله بنشاط، مما يفتح المجال أمام فرص كبيرة لتطوير مشاريع مشتركة في المنطقة الأفريقية.

مقابلة تاريخية…علاقات متميزة

إن العلاقات التاريخية المتينة التي جمعت دائما بين المغرب وأذربيجان، انطلقت منذ المقابلة التاريخية التي جرت بين المغفور لهما الزعيم القومي للشعب الأذربيجاني “حيدر علييف” وصاحب الجلالة الملك الراحل “الحسن الثاني”، في إطار القمة الإسلامية السابعة، المنعقدة في الدار البيضاء، في دجنبر 1994، حيث عرفت العلاقات الأذربيجانية المغربية عهدا جديدا، إذ جرى تبادل الآراء حول سبل تطوير العلاقات الثنائية وأفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وأثمرت هذه المقابلة التاريخية علاقات ثنائية متميزة بين أذربيجان والمغرب والتي يواصلها بخطى حثيثة قائدا الدولتين فخامة الرئيس “الهام علييف” وصاحب الجلالة الملك “محمد السادس” نصره الله.

وبفضل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية “أذربيجان” والمملكة المغربية مكنت من تعزيز وتعميق علاقات الصداقة والتعاون المثمر بين البلدين؛ فخلال السنوات الأخيرة توصل البلدان إلى تحقيق منجزات كبيرة ساهمت في تقوية العلاقات الثنائية.

رغبة البلدين في توطيد العلاقات

يعمل قائدا الدولتين فخامة الرئيس “إلهام علييف” وصاحب الجلالة الملك “محمد السادس” نصره الله، على توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين، وقد ساهما في تحقيق منجزات كبيرة على امتداد عقود من الزمان، فبالإضافة إلى التعاون على المستوى الدولي في المنتديات والمؤتمرات والمنظمات الدولية الأممية والإقليمية؛ دفاعا عن سيادة الدول ووحدتها الترابية، بما فيها وحدتهما الترابية، هناك التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والثقافية والقضائية والشبابية والرياضية وغيرها؛ وهو تعاون يتعزز ويتسع بفضل دعم الإرادة السياسية العليا الحكيمة في كلا البلدين، وكذا بفضل تكاتف جهود جميع الفاعلين العموميين والخواص.

بالإضافة أن علاقات الصداقة والتعاون مبنية على الاحترام المتبادل، فنجد تطلع “باكو” لتعزيز علاقاتها البرلمانية والاقتصادية والتجارية مع “الرباط”، والانفتاح على فضاءات أخرى للتعاون والتنسيق، حيث أن هناك تطابقا في وجهات النظر بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية والتشبث بسيادة الدول ووحدتها الترابية وفض النزاعات بالطرق السلمية.

وفي هذا الإطار يندرج التعاون المتواصل بين البلدين الصديقين ضمن انخراط حكومتي البلدين في إعطاء هذه العلاقة الثنائية المغربية والأذربيجانية والذي يأخد أبعاد التجسيد الميداني العائد على شعبي البلدين بمزيد من التقارب والتنمية المشتركة.

إن مسلسل التعاون و الانفتاح المتواصل بين البلدين الصديقين و الذي يندرج ضمن انخراط حكومتي البلدين في إعطاء العلاقة الثنائية بين المملكة المغربية و جمهورية أذربيجان أبعاد التجسيد الميداني العائد على شعبي البلدين بمزيد من التقارب و التنمية المشتركة.

وهنا نذكر أن الشعبين المغربي والأذربيجاني يجمعهم الإسلام والحمد لله، كما يجمعهم التاريخ المشترك، فالتقارب والتعارف بين الشعبين يحتاج إلىدعم الصحافة والمجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع في البلدين.

وهنا يجب الإشارة إلى الدور الكبير الذي تلعبه جمعية الصداقة المغربية الأذربيجانية في مشاركة السفارة الأذربيجانية بالرباط منذ افتتاحها مختلف الاحتفالات والمناسبات، والوقوف بجانب الشعب الأذربيجاني في جميع ذكرياته.

إن العلاقات المتميزة التي تجمع المملكة المغربية بجمهورية أذربيجان ستفتح لا محالة آفاقا جديدة للطرفين في مختلف المجالات والقطاعات، وستنعكس إيجابا على واقع وآفاق التعاون بين البلدين الشقيقين.

تعزيز علاقات الصداقة والتعاون

خلال السنوات الأخيرة توصل البلدان إلى تحقيق منجزات كبيرة في تقوية العلاقات الثنائية، حيث تم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات أثناء عقد الاجتماع الأول للجنة المشتركة بين الحكومتين في 05 مارس 2018، يسمح بتطوير هذه العلاقات في المجالات المختلفة، ومنها الفلاحة والسياحة والثقافة والشباب والرياضة والعدل وغيرها، غير أن المؤشرات و الأرقام فيما يخص حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين لا ترقى إلى الإمكانيات المتوفرة، و إلى تجسيد آفاق التعاون بين البلدين الواسعة والمتعددة والتي تدعمها إرادة سياسية حكيمة، وبفضل مجهودات سفيري البلدين السيدين: “أكتاي قوربانوف” و”محمد عادل امبارش”، لرفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية، حيث يقدمان مساهمات جليلة من أجل توطيد العلاقات والصداقة بين البلدين.

وفي مجال التعليم فقد تم توقيع اتفاقية بين جامعة “محمد الخامس” بالرباط وجامعة “باكو” الحكومية، وهناك تواصل بين الجامعتين لتفعيل الاتفاقية، حيث قام وفد من جامعة “محمد الخامس” بزيارة لجامعة “باكو” عام 2019، ومؤخرا اتفق الطرفان على تجديد الاتفاقية وتفعيلها.

وعلى المستوى البرلماني، تطورت العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين خلال العشرية الأخيرة، والروابط التي تجمع البرلمانيين في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وتتعزز من خلال الزيارات المتبادلة وتقوية دور مجموعتي الصداقة، وبحث مختلف القضايا البرلمانية ذات الانشغال المشترك.

دعم الوحدة الترابية للبلدين

بعد فترة وجيزة من إعلان إعادة استقلالها عن “الاتحاد السوفيتي”، جاءت الاعترافات الأولى لاستقلال جمهورية “أذربيجان” من قبل الدول الصديقة، ومن بينها كانت المملكة المغربية، وذلك في 30 سبتمبر عام 1991.

ومنذ ذلك الحين والدعم السياسي والمعنوي الأخوي متواصل لجمهورية “أذربيجان” من المَملكة المغربية، بما فيها المُسَانَدة من جميع مكوِّناتها أثناء الحرب، ضمانًا لسلامة ووحدة أراضي “أذربيجان” وسيادتها.

وفي هذا الإطار، تلقت السفارة الأذربيجانية في المملكة المغربية في أكتوبر 2020 مذكرة بعثت بها وزارة الخارجية المغربية جاء فيها أن المملكة المغربية تتابع بقلق الأحداث العسكرية في منطقة “قراباغ” الجبلية وتعرب عن أسفها في مقتل المواطنين المدنيين الأبرياء، وتدعو الطرفين إلى الصبر وإلى تسوية نزاع “قراباغ” الجبلية بناء على القانون الدولي وعلى أساس القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة.

وورد في المذكرة أيضا، أن المملكة المغربية تدعم سيادة جمهورية “أذربيجان” ووحدة أراضيها، وتستنكر الانفصالية أو خطوات التمرد المسلح.

فالمواقف النبيلة للمملكة المغربية اتجاه جمهورية “أذربيجان” وقضاياها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، واحترامها للشرعية الدولية وسيادة الدول؛ وبالمقابل نجد تشبث جمهورية “أذربيجان” ودعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية.

إن خيار تنمية التعاون المشترك مدعو أكثر من أي وقت مضى، استنادا على التعاون الثقافي الذي يعد عنصرا أساسيا، لتعميق صبغة التعاون وإمدادها بشروط الاستمرار والدوام؛ فالتعاون الثقافي يمكن أن يُوفر سياجا فكريا لهذه العلاقات في مجملها ويعطيها الوجه الحضاري الذي تستحقه، إيمانا بأن الحوار الحضاري باعتباره وسيلة حضارية متقدمة، يهدف إلى التعايش والالتقاء مع احترام خصوصيات الآخر، لا سيما أن جمهورية “أذربيجان” و “المملكة المغربية” تساهمان عن كثب على المستوى العالمي في عملية الحوار البناء بين مختلف الأديان والثقافات.