أذربيجان وعيدها بيوم الاستقلال …ثلاثون عاما من التعاون مع مصر

بقلم السيد السفير تورال رضاييف
سفير فوق العادة ومفوض لجمهورية أذربيجان بالقاهرة

إن الاحتفال بمرور ثلاثة عقود على العلاقات الآذربيجانية المصرية هذا العام إنما يأتي متزامنا مع احتفالاتنا بيوم الاستقلال الذى يصادف 28 من مايو من كل عام وهو اليوم الذى أُعلنت فيه قيام جمهورية أذربيجان الديمقراطية المستقلة كأول جمهورية مستقلة في الشرق الاسلامي عام 1918.
ويظل إعلان الاستقلال الذي صدر عام 1918 وثيقة مهمة بالنسبة لأذربيجان. فبموجب هذه الوثيقة أعلنت أذربيجان أول جمهورية برلمانية وديمقراطية ملتزمة بمبادئ سيادة القانون ونظام التعددية الحزبية وعلاقات حسن الجوار والتسامح والحقوق المتساوية لكافة القوميات التي تعيش علي أرضها. وفي عهد تلك الجمهورية حصلت المرأة في أذربيجان علي حق الاقتراع، وهي بهذه الخطوة سبقت حتى الدول الأكثر تقدما في العالم في ذلك العهد. كما يعد تمثيل جميع الكيانات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسية في المجلس الوطني ذي المائة وعشرين مقعد شاهد عيان على التزام أذربيجان بالمبادئ والمواثيق الدولية الخاصة بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات.
نشهد هذا العام أيضا بمرور ثلاثة عقود تجمع أذربيجان ومصر في تقارب مستمر وتعاون دائم، تعززهما المشتركات التاريخية والروابط الشعبية، والتفاهمات السياسية حيال العديد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، فضلا عما يربطهما من قيم ثقافية مشتركة وعادات وتقاليد متقاربة، تضرب بجذورها في أعماق الماضى.
ولذا، ليست مصادفة أن تكون مصر في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال جمهورية اذربيجان فى ديسمبر 1991، لتكتمل تلك الخطوة بتبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما في أبريل عام 1992، وهو ما كان بمثابة الخطوة التمهيدية للزيارة التاريخية التي قام بها الزعيم حيدر علييف رئيس جمهورية أذربيجان، إلى مصر عام 1994، والتي مثلت نقطة الانطلاق في مسيرة العلاقات بين البلدين، عبرت عنها حجم الاتفاقات الموقعة بينهما وتنوع مجالاتها، إذ شهدت علاقاتهما منذ ذلك الحين تطورا ملفتا اتخذ منحى تصاعدي في مستواها، توج بالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الاذربيجانى إلهام علييف في مايو 2007، والتي استكملت خطوات المسيرة التعاونية بين البلدين، على النحو الذى تم خلالها عقد اجتماع لأعمال اللجنة المصرية الاذربيجانية المشتركة الأخرى في 27 ديسمبر من العام ذاته، وذلك بهدف البحث في سبل التعاون ودفع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين‏، وقد تم خلالها الاتفاق على إقامة عدد من المشروعات الاستثمارية والصناعية‏ المشتركة، ومع العمل على تفعيل أعمال اللجنة بشكل دورى وصولا إلى عقد الدورة الخامسة متزامنا مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لقيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ شهدت العاصمة باكو فعاليات هذه الدورة برئاسة الدكتورة رانيا المشاط، وزير التعاون الدولي، عن الجانب المصري، ورشاد نبييف وزير النقل والتنمية الرقمية عن الجانب الأذربيجانى، كما تم في إطارها انطلاق عمل منتدى الأعمال المشترك (المصرى الآذربيجاني). ويذكر أنه خلال فعاليات هذه الدورة الخامسة تم التوقيع على خمس وثائق للتعاون في مجالات التنمية المختلفة، حتى وصلت عدد الوثائق إلى ما يزيد على خمسين اتفقاية خلال ثلاثين عاما.
وغنى عن القول إن ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من تقارب واضح كان نتاجا للرؤية الثاقبة التي يحملها قادة البلدين بشأن أهمية العمل على تعزيز التفاهم والتعاون بين بلديهما؛ تلك الرؤية التي انعكست على ما اتخذته حكومتى البلدين من قرارات وما تبنته من سياسات وما انتهجته من خطوات، دفت إلى توسيع مجالات التعاون، كان من أبرزها الموافقة من الجانبين على الاتفاق الحكومى بشأن إلغاء تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو الخاصة أو المهمة، تلك الخطوة التي كانت بمثابة إجراء من شأنه تسهيل حركة المسئولين من ناحية، وإعطاء المرونة في التعامل بين الدولتين من ناحية أخرى.
كما أنه تم استئناف الرحلات المباشرة والمنتظمة بين البلدين بواقع رحلة واحدة أسبوعية من منتصف مارس الماضى (2022) بعد توقف بسبب تفشى جائحة كوفيد 19، إذ تعد هذه الخطوة مهمة في سبيل دفع حركة السياحة الوافدة من أذربيجان إلى المدن السياحية المصرية.
كما أن الاحتفال بالثلاثين عاما على علاقات البلدين قد جاء متزامنا أيضا مع الاحتفال على النصر المبين الذى حققته جمهورية أذربيجان ونجحت في استعادة أراضيها المحتلة من قبل جمهورية أرمينيا في معركة لم تتجاوز الأربعة والأربعين يوما، كانت معركة اذهلت العالم، كيف نجحت القوات الآذربيجانية في الوصول إلى تلك المناطق الجبلية الوعرة لتستعيد حقها في أرض الأجداد… إذ يمكن القول إن هذه المعركة سوف تضاف إلى سجل المعارك التي تدرسها الاكاديميات العسكرية والأمنية للاستفادة من خططها وتكتيكاتها.
جوهر القول إن العلاقات الأذربيجانية المصرية كما انها علاقات تاريخية تجمعها العديد من المشتركات، فإنها علاقات تعززها العديد من مجالات التعاون؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا ودينيا. إذ يكفى النظر إلى حجم الاتفاقات الموقعة بين البلدين، وحجم الزيارات المتبادلة على مستوى كبار المسئولين من جانب، ومستوى الباحثين والإعلاميين والخبراء والمتخصصين من جانب آخر.
وفى الختام نجدد تأكيدنا على أن قادم الأيام سيشهد مزيد من التعاون الأذربيجانى المصرى في ظل ما تحمله قيادات البلدين من رؤى دافعة للمستقبل، وما تحرص عليه حكومتى البلدين من توسيع مجالات التعاون وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وما يجمع الشعبين من تراث ثقافى مشترك.