نشرت جريدة “الدستور” العراقية مقالا للدكتور العراقي معتز محي عبد الحميد في عنوان ” ابعاد استراتيجية النصر الذي تحقق في حرب الـ 44 يوما”. تعيد وكالة اذرتاج نشر هذا المقال:
“إن النصر الذي حققته اذربيجان على أرمينيا يبرز عبقرية القائد إلهام علييف، ليس في مجال التخطيط السياسي فحسب وإنما في ميدان التخطيط العسكري، فهو ليس زعيماً سياسياً ومنظراً ثورياً بارعاً، يصوغ أفكار التجربة سياسياً واجتماعياً وثقافياً فقط، بل هو أيضاً قائد عسكري موهوب، توضح رؤيته النافذة لقضايا التخطيط الاستراتيجي والعمل العسكري، أسس العقيدة العسكرية الخاصة ومؤشرات تميزها عن العقيدة العسكرية الشرقية والعقيدة العسكرية الغربية وهذه الحقائق يزداد تألقها إذا اضفنا لها ان عقل القائد في ادارته للصراع، يعرف ما يريد، وكيف يصل إلى ما يريد، ويرى الأفق اللاحق لتطورات الموقف قبل حدوثه، بما يجعل زمام المبادرة بيده دائماً.. بإيجاز ان الخصائص العامة في التفكير الاستراتيجي لدى القائد إلهام علييف يمكن تحديدها بما يلي: وضوح الهدف المطلوب؛ دقة الحسابات العسكرية؛ توقع الاحتمالات والاستعداد لها؛ مواجهة او استدراج العدو بما يربك حساباته وتنظيمه ويحرمه من امتلاك زمام المبادرة وحرية العمل؛ تطوير الموقف العسكري وفق ذلك، والتصرف بحكمة؛ نبذ السياقات التقليدية والابتكار بما يجعل التقرب من الاهداف المحددة، غير متوقعة من العدو؛ ادامة المعنويات وتطويرها؛ اعتماد خطط القتال وأساليبه بالحفاظ على المقاتل، أي بتقديم أقل الخسائر وصولاً إلى الهدف المطلوب؛ استحضار روح التاريخ الاذري وبطولاته واستلهام روح المعارك بما يعزز النصر ويرسخ روحيته؛ الحفاظ على الاقتدار القتالي بما يجعل زخم القوة عالياً دون هبوط، وكأنها تدخل الحرب لتوها.
إذا كانت هذه الخواص من صلب التفكير الاستراتيجي التي يتميز بها القائد إلهام علييف، وهي خواص تجعل بالضرورة تفوق الاستراتيجية الاذربيجانية على الاستراتيجية الأرمنية الغير قادرة على إدراك ذلك والعاجزة عن الوصول اليه.. وحيث ان الفاعلية الحربية او القتالية ترتبط بمصدريها السياسي والعسكري معاً وتتحدد قوتها من خلال ذلك، يكون للفكر السياسي والفكر العسكري الدور الحاسم، ويكون للقائد الملهم في المجالين السياسي والعسكري دوره الكبير في النصر..
إن الحقيقة الموضوعية التي تؤكد على أن الفن العسكري يتأثر بالمجالين المذكورين، أي في المجال السياسي.. من خلال الاقتصاد والبشر، والمجال التقني، من خلال العتاد والتسليح، تجعل لوجود القائد المقتدر سياسياً وعسكرياً ضرورة يستوجبها النصر.. تماماً كما هو مطلوب أن يكون لإدارة الصراع، قائد أمين يوجهها بشمولية الموقف الصحيح الذي يقود الفعالية العامة، بكل روافدها السياسية والعسكرية.. الخ في مجالها الصحيح وإلى مداها المطلوب..
هذه الحقيقة الموضوعية تتضح بشكل بارز في إدارة الصراع العسكري والمعارك خلال ال 44 يوما التي دارت بين أذربيجان وأرمينيا، وتجد في قيادة إلهام علييف، المبدعة سياسياً وعسكرياً، ما يؤكدها، فالنتائج الكبيرة التي حققتها القوات الاذربيجانية في هذه الحرب على القوات الارمينية، بكل ما زجت أرمينيا من أسلحة فيها، من الأدلة على أن النصر المتحقق كان لأن جيش البطولة قد بني وأن صانع هذا البناء هو إلهام علييف.
كيف.. ؟
إن نظرة الرئيس إلهام علييف إلى الجيش والقوات المسلحة تتحدد من خلال المبادئ ومؤشرات أحكامها وهذه النظرة تستوجب رفع مكانة الجيش وتعزيز قوته، ولم يكن الدافع لذلك ان يكون الجيش طبقة فوق الشعب وإنما الغرض الرئيس، أن يكون الجيش فصيلة ثورية مقدامة تحمل مبادئ الشعب، يقول الرئيس إلهام علييف ازاء ذلك: (حاولنا بناء تكتيكاتنا بحيث تكون الخسائر صغيرة، في الوقت نفسه، كانت هناك خطوات كثيرة غير متوقعة في تكتيكاتنا، الاساليب التكتيكية التي نستخدمها جديدة في العلوم العسكرية العالمية) وقال ايضا القائد علييف (الاحترافية والبطولة والتخطيط والعزيمة القوية والروح الوطنية والتموين بالمعدات التقنية، كل هذه العوامل، ووحدة الشعب والحكومة هي التي ادت الى انتصارنا).
وهذا التحديد الذي يشير اليه القائد، يتجاوز النظرة غير الواعية لدور الجيش ومسؤوليته النضالية، هذه النظرة التي تحصر تصوراتها، بأن الاهتمام بالجيش وتعزيز مكانته، يخلق المؤسسة العسكرية البعيدة عن الشعب، ويوجد ما يصطلح على تسميته بالعسكرتاريا، إن هذه النظرة الخاطئة والقاصرة، تنطلق من مفاهيم مجردة وغير حية، وهي تغاير الوقائع التاريخية والنضالية والموضوعية لدور الجيش الاذربيجاني وتضحياته.
كان لابد أن ترفع مكانة الجيش في المجتمع الاذربيجاني الجديد، لأنه مجتمع شهد تطورات مفصلية وذات دور وطني ورسالة ميدانها الوطن الأكبر، سواء بالدفاع عن حياضه او بالانتقاص لأي مس متعمد للكرامة، والثورة الاقتحامية تحتاج دائماً إلى القوى التعرضية، ولسنا مخالفين للحقائق، إذا ما اوضحنا ان الجيش يكون بذلك ذراع الثورة المقتدر في هذا الميدان.
وحتى يكون الجيش يحمي الثورة في تحقيق الأهداف لابد من البناء العقائدي وإقامة التقاليد العسكرية التي تؤهل الجيش للنهوض بمهامه على اكمل وجه، ولم يكن إلهام علييف وراء هذه الأفكار فحسب، بل كان وراء العمل المضني والمتواصل كيما يكون الجيش وعموم القوات المسلحة في وضع لا يتخلف عن سياق حركة الدولة، ولهذا يقول القائد علييف: (أما نحن فقد استعدنا الحق والعدالة، وقد استعدنا ارضنا وسفكنا الدماء وقد سمعت هذا التعبير مراراً… ويدل التاريخ على ذلك: ان الأرض المتروكة بالدم تستعاد بالدم).
لهذا انصبت جهود القائد والقيادة في وزارة الدفاع من أجل ان يكون الجيش بمستوى المهام الملقاة عليه، والتأكيد على بنيته التنظيمية القتالية التي تندمج فيها الكفاءة والايمان والعلم، والتفكير الاستراتيجي لتوجد للجيش بذلك القوة المناسبة وتضعف عامل القوة لدى العدو.
إن جهد إلهام علييف، لم يوجد الأرضية الصالحة للتحشد المناسب عند الضرورة المطلوبة، ولا التوافق لحركة القوات المسلحة مع حركة الدولة فحسب، بل أوجد التوافق لحركة الدولة مع القوات المسلحة عند مستجدات الأوضاع التي تفرض ذلك، وضمن العامل السياسي دوراً مهماً لصالح التعبئة وتوسيع مدارك التصور، من مجال ضيق يحبس رؤيته في العامل التقني العسكري البحت، إلى التصور الشمولي الذي يأخذ بذلك ويتعداه إلى كل الروافد الأخرى المؤثرة في الميدان.
لذلك كله فالرئيس إلهام علييف لم يخلق سياجاً متيناً للقوات المسلحة فقط بل أوجد لها بنية متماسكة وقوية من حيث التقنية والروح المعنوية التي ليس لها حدود.
إذا كان الرئيس إلهام علييف وراء البناء العقائدي والتربوي الجديد للجيش وجهوده كانت، وراء تطوير وتحديث معداته وتجهيزاته، وهو وراء المكانة الاجتماعية التي يستحقها، فإن لدوره أثراً بالغاً في العوامل النفسية وتعزيز الاعتبارات المعنوية لدى الشعب والقوات المسلحة.”
azertag.az/ar