تنتظر الكتل السياسية العراقية التي فازت في الانتخابات البرلمانية مصادقة المحكمة الاتحادية العليا لبدء المفاوضات الحقيقية لتشكيل الحكومة الجديدة، والتي يبدو أنها ستأخذ وقتاً طويلاً، بحسب المعطيات الحالية على الساحة العراقية، بسبب التعقيدات التي فرضتها النتائج.
ويعمل الخاسرون في الانتخابات العراقية، بحسب مراقبين، وأغلبهم من ممثلي الفصائل الشيعية، الذين يعتصمون منذ أسابيع أمام بوابة المنطقة الخضراء، على التصعيد المستمر من أجل الحصول على مكاسب في الحكومة الجديدة للتعويض عن تراجع نفوذهم في مجلس النواب المقبل، وإشعار ما تبقى من جمهورهم بأن لهم كلمة مؤثرة لا تزال تسمع في العملية السياسية داخل العراق.
حكومة واسعة التمثيل
ولهذا، فإن استمرار الاعتصامات قد تجبر الفائزين في الانتخابات، وخصوصاً التيار الصدري، على إشراك عديد من القوى الشيعية المعترضة على نتائج الانتخابات، لضمان عدم تدهور الأوضاع في البلاد بعد التهديدات التي أطلقها زعيم “تحالف الفتح” هادي العامري، بمقاطعة العملية السياسية، وعدم الاشتراك في الحكومة إذا لم تُؤخذ الاعتراضات بعين الاعتبار.
وفي ظل انتظار إعلان النتائج النهائية، تسعى الكتل السياسية للوصول إلى توافق بين الأفرقاء السياسيين، تخوفاً من أن تخرج الأمور عن السيطرة.
وبحسب مفوضية الانتخابات، فقد أكملت النظر بجميع الطعون البالغة 1436 طعناً لإعادة الفرز اليدوي في 4324 محطة في جميع محافظات العراق، ورفعت إلى الهيئة القضائية.
الصدر لا يرغب بنوري والخزعلي
وكشفت مصادر سياسية رفيعة من داخل المفاوضات التي تجريها الكتلة الصدرية، عن توجه زعيمها مقتدى الصدر لإقناع كل من زعيم “بدر” هادي العامري وقادة تحالف قوى الدولة حيدر العبادي وعمار الحكيم للاشتراك في الحكومة المقبلة.
وأضافت المصادر أن الصدر يركز في خطته على إقناع الكتل السياسية الفائزة والقوى الشيعية على ضرورة عدم مشاركة “حركة أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و”ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي في الحكومة المقبلة، وبحسب المصادر ذاتها فإن الصدر سيركز كل جهوده على هذا الأمر، واعتباره خريطة طريق لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويبدو الحديث عن تشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيد المنال في الوقت الحالي، نظراً لظروف العراق والضغوط الخارجية التي ترغب ببقاء الأوضاع السياسية على حالها.
الصفقة حاضرة
وقال رئيس المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز عبدالحميد، إن الأمور قد تنتهي بصفقة سياسية تسبق نتائج الانتخابات.
وأضاف عبدالحميد، “هناك أكثر من سيناريو مطروح، الأول قبول الأطراف بالتهدئة، وهذا يعتمد على نتائج المفاوضات التي تجري بين الأطراف والتدخل الإيراني الأخير لتهدئة الأوضاع”، مبيناً أن التصعيد الأخير باستهداف منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ولد ردود فعل مستنكرة من قبل المجتمع الدولي منها ما صدر من مجلس الأمن، فضلاً عما صدر من البنتاغون، وتصريح وزير الخارجية الأخير سيعمل على تهدئة الأوضاع بعد إعلان النتائج.
وكان مجلس الأمن قد دان عملية استهداف منزل الكاظمي، ووصفها بـ”العمل الإرهابي”، مطالباً بمحاسبة مرتكبها.
فيما رجحت وزارة الدفاع الأميركية تورط جهات موالية لإيران بعملية محاولة الاغتيال.
وكان المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء يحيى رسول الزيدي، قد أعلن “أن القيادة حددت أماكن انطلاق الطائرات الثلاث التي اشتركت في عملية استهداف منزل الكاظمي في المنطقة الخضراء من منطقة شمال شرقي العاصمة، وهي تجمع المعلومات للوصول إلى الجهة المنفذة”.
وبحسب مصادر أمنية رفيعة، “فإن الاستخبارات العراقية كشفت عن أن الطائرات انطلقت من منطقة الكريعات”، موضحة “أن هناك أدلة مهمة تشير إلى أن هناك أربعة أشخاص قاموا بإطلاقها”.
العراقي لمحاولة اغتيال، التقى خلالها عدداً من المسؤولين العراقيين، في مقدمتهم الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح.
وعن الوضع الأمني المتوقع بعد الانتخابات، بين عبدالحميد أن الاستنفار سيبقى إلى ما بعد الإعلان عن المصادقة على نتائج الانتخابات، مضيفاً أن زيارة الكاظمي لمدينة الصدر تأكيد أن الأجواء الأمنية أصبحت جيدة من خلال ذهابه للمناطق الشعبية، ولا توجد مخاوف على حياته.
وكان الكاظمي زار مدينة الصدر شرق العاصمة بغداد الأربعاء الماضي ذات الغالبية الشيعية.
ولفت عبدالحميد إلى أن الإدارة الأميركية لن تسكت كما حصل سابقاً، وسترد على أي تحرك مستقبلي.
اختلاف توجهات الخاسرين
بدوره، تحدث أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات عصام الفيلي عن وجود خلاف ما بين الجبهة التنسيقية حول الآلية المتبعة بعد إعلان النتائج، مبيناً أن الاختلاف وارد بشأن الذهاب إلى التهدئة، ومن ثم المعارضة، ثم التصعيد كنوع من أنواع الضغط من أجل إشراك الجميع في الحكومة.
وأضاف الفيلي أن “طبيعة رد المعترضين يعتمد على ما تتمخض عنه المفاوضات في الأيام المقبلة، فإذا استطاعت كتلة الأغلبية أن تضم أعداداً كبيرة في هذا الإطار ومصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، فسيتم الاتجاه لحكومة تضم كل الأفرقاء السياسيين”.
لن يتكرر سيناريو 2018
واستبعد الفيلي تكرار سيناريو حكومة عام 2018، “فطبيعة تشكيل أي حكومة محكومة بأوزان المقاعد، وبعض الكتل السياسية التي ليس لها أوزان كبيرة قد تتجه إلى المعارضة”، لافتاً إلى أن التنافس سيبقى بين “الفتح” والمالكي اللذين يريدان أن يكونا جزءاً من الحكومة.
وبحسب الفيلي، فإن “إيران ستكون حاضرة بالمشهد السياسي العراقي، ولا تريد أن تتواجه القوى الشيعية، وأي محاولة للمواجهة ستوصل إلى نقطة اللاعودة للجميع”.
الاحتجاجات مستمرة
من جهته، يرى الكاتب والصحافي علي بيدر أن الاحتجاجات ستتجدد والمعارضة السلبية التي تعرقل الحكومة ستستمر بعد إعلان النتائج.
وأضاف، “من المتوقع أن يكون هناك تصعيد على المستوى الأمني، وقد تتجدد الاحتجاجات التي نظمتها بعض الأحزاب الخاسرة بالانتخابات والمعترضة على النتائج، والتي تمتلك أذرعاً مسلحة”، مشيراً إلى أن هذه الجهات ستعمل بطريقة المعارضة السلبية، ومحاولة تسقيط كل من يتصدر المشهد في البلاد خلال المرحلة المقبلة.
وبحسب البيدر، فإن بعض المعارضين سيعملون على وضع العصيّ في دواليب عجلة الإصلاح المفترضة، التي قد تتبانها الحكومة المقبلة والمنظومة السياسية والبرلمان على وجه التحديد، لافتاً إلى أن “العراق سيشهد ما بعد إعلان النتائج مرحلة جديدة من الأزمات السياسية الحادة، وهي أزمات تسقيطية تعقبها أزمات أمنية وسياسية إذا لم يتم إقناع تلك الجهات ومحاولة ترويضها أو كبح جماحها”.
واستبعد البيدر أن تبرم صفقات سياسية كبيرة، لا سيما في ظل الكم الكبير من الأحزاب ذات العدد الصغير من المقاعد في مقابل الصدريين. فبعض الأحزاب لم تحصل إلا على مقعدين مثل “تيار الحكمة”، مشيراً إلى أن الترضية تعني استحداث وزارات جديدة كنوع من الترضية لبعض الأحزاب.
وتابع البيدر أن الوضع العراقي يسير في عمق نفق مظلم، ومضى 30 يومياً على إجراء الانتخابات، ولم تعلن عنها بشكل نهائي لكون المفوضية غير راغبة بهذا الأمر في أجواء متوترة ودون الرجوع للكتل السياسية، مؤكداً أن أي تغير في المقاعد لن يتجاوز مقعدين، ولن يؤثر على المعادلة السياسية.