أذربيجان.. مدينة شوشا تستعيد أمجادها

أنشئت مدينة شوشا الأذربيجانية على الهضبة الجبلية بارتفاع 1600-1300 متر من فوق سطح البحر، وهي محاطة بمنحدرات شديدة الميل، وتشير المصادر التاريخية الى ان المدينة بناها حاكم إمارة قره باغ الأذربيجانية “بناه علي خان” في أواسط القرن الثامن عشر كحصن منيع للدفاع عن الامارة من الهجمات وغارات الغزاة، الى جانب حصني “بايات” و”شاه بولاق” الذين تم تشييدهما في خمسينيات القرن الثامن عشر، واشتهرت المدينة بـاسم “بناه اباد” على شرف بانيها.

وأصبحت شوشا مركزا موسيقيا وثقافيا ليس فقط في أذربيجان فحسب بل في منطقة القوقاز بأسرها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعرفت المدينة بأسماء مختلفة منها “باريس الصغيرة” و”معبد الفن للقوقاز” و”مهد الموسيقى الأذربيجانية” و”کنسرواتوار ما وراء القوقاز” تقديرا لمكانتها في نشر الثقافة الأذربيجانية الإسلامية العريقة.

وأنجبت هذه المدينة القديمة العديد من الفنانين وأرباب الموسيقى وفن المقام والشعراء والكتاب الاذربيجانيين المعروفين، الذين لعبوا دورا مهما في عملية التنوير في القوقاز بأسرها، وينحدر من هذه المدينة، مؤسس فن الموسيقى الاحترافية الأذربيجانية عزير حاجيبايوف وفنان الشعب بلبل وخان شوشينسكي والكاتب والمنور فيرودين باي كوتشارلي وعبد الرحيم باي وزيروف وعبد الرحيم باي حاقفيردييف والشاعرة وصاحبة الأعمال الخيرية خورشيدبانو ناتاوان وعالم الشرقيات الشهير احمد باي اغا اوغلو وغيرهم من العلماء والشخصيات البارزة.

كانت المدينة تحتضن عشرات المتاحف وعددا من المدارس الثانوية ومؤسسات التعليم العالي والمكاتب والفنادق قبل سقوطها في يدي قوات الاحتلال في 8 مايو عام 1992، ونتيجة هذا العدوان الغاشم قتل 195 مواطن مدني وجرح 165 شخص وسقط 55 شخصا رهائن وتم تشريد حوالي 22 ألف اذربيجاني من تلك المدينة.

لكن بإذن الله تعالى وبقوة الجيش الاذربيجاني وبحنكة قيادة القائد الأعلى رئيس الجمهورية إلهام علييف، تم تحرير المدينة الى جانب أراضي قره باغ الأخرى من قبضة الاحتلال، وقال الرئيس إلهام علييف في كلمة ألقاها في افتتاح مهرجان شوشا الموسيقي ان قوات الاحتلال لم تتمكن من طمس الآثار الأذربيجانية والروح الأذربيجانية من مدينة شوشا خلال سنوات احتلالها، وأضاف الرئيس “ان شوشا مدينة لا نظير لها في العالم، ولها أجواء ساحرة خاصة لا يمكن مغادرتها”.

بعد تحرير المنطقة، أقدمت الحكومة الأذربيجانية الى تحقيق اعمال إعادة الإعمار والبناء للمباني التاريخية والثقافية والمساجد التي تم تدميرها من قبل المحتل، وبدأت عودة الأمور الى نصابها، واستأنفت الفعاليات الثقافية التقليدية لمدينة شوشا، حيث شرعت في احتضان مهرجان “خاري بلبل” السنوي للفولكلور، ومؤتمرات ومنتديات دولية، وأصدر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مؤخرًا مرسومًا باعتبار مدينة شوشا عاصمة الثقافة في أذربيجان، وبعد أيام من القرار في مطلع شهر مايو، أقيم بالمدينة مهرجان “خاري بلبل” الدولي الذي توقف قبل 32 عامًا، الذي كان ينظم سنويًا بنفس المكان بمشاركة عدة دول منذ عام 1989 حتى 1992، حيث كانت تقام منافسات في الفن والرسم والشعر والأدب، فضلًا عن سباقات الخيول، وكانت خيل كاراباخ (قره باغ) المشهورة تتصدر الاهتمام، و أقيمت حفلات موسيقية على مضمار السباق، اضافة الى منافسات المصارعة. وكان المهرجان الذي يحظى بمكانة دولية يعتبر أحد أهم الأحداث الثقافية، ليس فقط في أذربيجان ولكن أيضًا في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة.

بدأت مؤسسة حيدر علييف التي تترأسها السيدة الأولى لأذربيجان مهريبان علييفا ووزارة الثقافة تحقيق مشاريع كثيرة لإعادة ترميم المراكز والمباني الثقافية في شوشا، منها منازل ومتاحف للفنانين والشعراء والشخصيات البارزة منهم بلبل والشاعرة ناتاوان وعزير حاجيبايوف ومقبرة الشاعر ورجل الدولة ملا بناه واقف، الى جانب ترميم مساجد اشاغي جوهر اغا ويوخاري جوهر اغا ومامايلي ومبنى مدرسة “ريالني” التاريخية وحمامات وعيون ماء وكروانسراي وغيرها.

وأعلنت الحكومة الأذربيجانية أن سكان المدينة سيعودون الى مسكنهم الدائم فيها قريبا.