الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طبيب -باحث في الشؤون التركية وأوراسيا
.”بغض النظر عن البلد الذي تعيش فيه تعتبر مدينة شوشا ،مدينة عزيزة على قلوب كل الأذربيجانيين وقلوب أتراك العالم عامة ”
قبل أيام قليلة ، عقدت أذربيجان المؤتمر الخامس لأتراك أذربيجان في العالم في قره باغ ، في مدينة شوشا الحرة تحت شعار “ظفار قورلطاي” أي مؤتمر النصر.لأنه لأول مرة تعقد هذا المؤتمر بعد الانتصار التاريخي في معركة قره باغ الثانية لأذربيجان، وتوقيع رئيس الوزراء الأرميني على بيان استسلام وبشروط الرئيس المظفر إلهام علييف.
يقول الرئيس إلهام علييف ، الذي زار شوشا في عيد ميلاده في 24 ديسمبر من العام الماضي:”شوشا تجذب كل واحد منا.
ويتابع علييف في كلامه : في نفس الوقت ، في كل مرة تم التخطيط لمشاريع في شوشا ، أتيت إليها بحماس كبير وحب وعاطفة كبيرين ، ولذلك قررنا من الواجب أن نحتفل بهذا اليوم هنا – في سهل سيدر ، العزيز على كل واحد منا ، وأنا فعلت ذلك بكل فخر.”
في كلمته التي القاها في افتتاحية المؤتمر قال علييف:
أخذنا بثأر دماء شهدائنا في ساحات المعركة ، وانتقمنا من العدو في ساحات المعركة أيضا .دماؤهم شهدائنا الطاهرة لم تبق على الأرض نحمد الله على ذلك ، وعزاءنا لذوي الشهداء ولأقاربهم ، لجميع الشعب الأذربيجاني. اليوم نعقد مؤتمر الخامس لأتراك أذربيجان في العالم في قره باغ حرة وشوشا حرة.اسم هذا المؤتمر هو مؤتمر النصر ، وهذا أمر طبيعي.
وتابع علييف قائلا : عندما جئت إلى هنا ، تذكرت المؤتمر الأول الذي عقد في عام 2001. كما تعلمون ، بأن انعقاد المؤتمر الأول عام 2001 كانت بمبادرة من الزعيم اراحل حيدر علييف.
وبطبيعة الحال ، كان القائد الراحل قد أعرب في المؤتمر الاول في خطابه عن آرائه بشأن مشكلة قره باغ وقال إن أذربيجان ستستعيد وحدة أراضيها وستتحرر الأراضي المحتلة من الاحتلال وسيعود الشعب الأذربيجاني إلى أرض أجداده.
لنتذكر كلام الزعيم الوطني الراحل حيدر علييف قبل سنوات عندما قال : “ان مدينة شوشا ليست فقط لأهل شوشا ، ولكنها مدينة لجميع الأذربيجانيين ,هي مدينة تاريخية عزيزة على قلب كل مواطن يحب وطنه،إنها أرض عزيزة ، وقلعة عزيزة ، ونصب تذكاري عزيز”.
وذكر الزعيم الوطني الراحل حيدر علييف أهمية شوشا بالنسبة للاذربيجانيين بقوله المشهور : “لا قره باغ بدون شوشا ولا أذربيجان بدون قره باغ. ”
تابع الرئيس الهام علييف خطابه بقوله : نحن ، أحفاد تلك القائد العظيم ، جعلنا هذه الكلمات حقيقة ، وقد أُبلغت في بداية التحضيرات للمؤتمر الخامس لأتراك أذربيجان في العالم، وقلت في نفسي بإن هذا المؤتمر يجب أن يُعقد في شوشا المحررة.
أنا على يقين من أن المشاركين في المؤتمر اتخذوا أيضًا نهجًا إيجابيًا للغاية تجاه مكان انعقاد المؤتمر لذلك جاءوا إلى شوشا ، شوشا القديمة ، عاصمة الثقافة والتاريخ. وتابع علييف كلمته بقوله بأن مدينة شوشا ترحب أيضًا بأقاربها في هذا الطقس المشمس الجميل ، مما يدل مرة أخرى على أن هذه أرضنا التاريخية. حتى الطبيعة والشمس تتضامن معنا هنا.
الآن ، بناءً على اهتمام ورعاية القائد الأعلى للقوات المسلحةالرئيس المظفر إلهام علييف ، تجري مشاريع مؤسسة حيدر علييف وأعمال التشييد والبناء واسعة النطاق في شوشا. مدينة شوشا ، التاريخ العظيم لشعبنا ، نصب ثقافي حضاري عظيم لا ينحني للعدو.
خلال الاحتلال الارميني الذي استمر لأكثر من 28 عامًا ، فشلت أرمينيا في إضفاء الطابع الأرميني على شوشا وتخصيص تاريخها وثقافتها. لذلك ، أثناء الاحتلال ، كانوا ببساطة يدمرون تاريخ شوشا الحضاري والثقافي ولكنهم لم يستطيعوا. القبضة الحديدة وشجاعة وباسلة للجيش الأذربيجاني حررت شوشا . كما قال الرئيس إلهام علييف ، شوشا واقفة ، شوشا لم تنكسر ولن تنحني، شوشا ليست عازمة. الآن تلتئم جراح المدينة ويتم استعادة تقاليدها وتستعيد مجدها الحقيقي من جديد.
مدينة شوشا لها رمزية خاصة لدى الشعب الاذربيجاني فهي ليست مجرد مدينة أذربيجانية، فهي رمز للحضارة لما تحتويه من معالم تاريخية عديدة، ومهد الموسيقى الأذربيجانية إذ أنجبت عددا كبيرا من أشهر المؤلفين والموسيقيين الأذربيجانيين ومن هؤلاء: جبار قارياغدي أوغلو، وقربان بيريموف، وبلبل، وسيد شوشينسكي، وخان شوشينكي، وعزير حاجبيوف، ورشيد بهبودوف، ونيازي، وفكرت أميروف،ومسقط رأس العديد من العلماء والكتاب المميزين والشخصيات الثقافية البارزة ومن أبرزهم: خورشیدبانو ناتوان، وقاسم بك ذاكر، وسليمان ثاني آخوندوف، وعبد الرحيم حق ويردييف، ونجف بك وزيروف. كما ولد فيها أحمد أغا أوغلو، وهو محامٍ وصحفي وكاتب وسياسي تركي، وأحد الشخصيات المهمة في تاريخ الفكر التركي، حيث تركت أعماله الفكرية تأثيرا كبيرا في كل من أذربيجان وتركيا.
كانت مدينة شوشا تُعرف سابقًا باسم “باريس الصغيرة” و “معبد الفنون القوقازي” و “مهد الموسيقى الأذربيجانية” و “كونسرفتوار الشرق” . بالإضافة إلى كونها مهد الثقافة، شوشا لؤلؤة قره باغ ووجه الاولى لجميع الأذربيجانيين من أجل التمتع بطبيعتها ومناظرها الخلابة.
وهي أيضا أحد أبرز الرموز التاريخية لأذربيجان وثقافتها، وتتمتع بأهمية استراتيجية؛ بفضل موقعها الجغرافي المهيمن على المنطقة ووجودها على الطريق المؤدية إلى مدينة خانكندي، أكبر مدينة في منطقة “قره باغ”ووفق مصادر تاريخية، تأسست شوشة عام 1752 على يد مؤسس خانية “قره باغ” التركية، “بناه علي خان جوانشیر.”
كانت شوشا أحد الأهداف الرئيسية لأرمينيا، عند مهاجمتها الأراضي الأذربيجانية، أثناء تفكك الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن الماضي. وفي 1991، احتل الأرمن مدينة خانكندي،ومن ثم مدينة خوجالي المجاورة، في 26 فبراير/شباط 1992 وارتكبوا فيها مجزرة مروعة راح ضحيتها 613 مدنيا، بينهم أطفال، ونساء، قبل أن يتم احتلال شوشا أيضا في 8 مايو/ أيار 1992. ودفاعا عن شوشا، فقد مئات الأذربيجانيين أرواحهم، وتسبب الاحتلال بخسارة كبيرة للاقتصاد الأذربيجاني، واضطر الآلاف للنزوح عن ديارهم. ودمرت قوات الاحتلال الأرمينية أكثر من 300 معلم ديني وتاريخي إسلامي، وقامت بتوطين أرمن في شوشا، التي كان يعيش فيها أكثر من 20 ألف أذربيجاني قبل الاحتلال.
لذلك من أجل تحرير الأراضي المحتلة وتحقيق النصر على العدو ، وضع الشعب الأذربيجاني في الداخل وفي المهجر الشتات هدف امام اعينهم إلى وحاولوا تحقيق تلك هدف الى أن وصلوا اليها في معارك العزة والشرف خلال 44 يوم في حرب قره باغ الثانية . لقد جعل كل مواطن أذربيجاني يوم النصر هذا أقرب اليه من خلال عمله وايمانه بأن النصر وأحقاق الحق لابد ان يتحقق بسواعد أبنائها . بدلا من 30 عاما من المفاوضات التي كانت لا معنى لها ، أظهر الشعب الأذربيجاني قوته خلال 44 يوم وأعاد العدالة الانسانية وتحقيق القانون الدولي في قره باغ مره أخرى. بذلك أثبت الشعب الاذربيجاني للعالم كله أنهم أمة عظيمة وأن الشعب الأذربيجاني لم يقبل أبدًا احتلال أرضه وعرضه.
عندما ننظر إلى المسار الذي سلكه الشعب الاذربيجاني طوال 30 عام من الاحتلال الارميني لهذه المناطق، يمكننا أن نقول بأن أذربيجان لم يدخل في حالة حرب مع أرمينيا فقط ,بل خاض حربًا مع أرمن العالم في الشتات أيضا ، وحربًا مع رعاة وداعمي أرمينيا من الخلف في النهاية كان النصر من حليف الشعب الأذربيجاني بعد طول الانتظار .لذلك ، فإن الأهمية التاريخية لهذا الانتصار كبير حيث أثبت الشعب الاذربيجاني بأنه مستعد للتضحيات والاستشهاد من أجل الوطن . تابع ملايين الأذربيجانيين عن كثب الذين يعيشون في الشتات في العالم الحرب في بلادهم. في الوقت نفسه ، وباستخدام شبكات التواصل الاجتماعية وغيرها من الفرص ، كانوا الصوت الحقيقي لأذربيجان في البلدان التي يعيشون فيها. على الرغم من انتهاء الحرب اليوم في قره باغ ، إلا أن بعض الادعاءات والمطالبات الأرمينية ضد أذربيجان لم تنته بعد.
نحن واثقون من أنه نتيجة للجهود الدبلوماسية التي بذلت خلال فترة ما بعد الصراع بقيادة الرئيس إلهام علييف ، سيتم القضاء على كافة المطالبات وأدعاءات الكاذبة لأرمينيا ضد أذربيجان.بعد أنتهاء الحرب ، الان الشعب الأذربيجاني يعيش إلى الأبد كشعب منتصر في دولته المنتصرة. أتراك أذربيجان متجذرون بقوة في أراضيهم وارض أجدادهم ولا يمكن لأحد أيا كان أن يقلع شعبنا من جدذوره من هذه الأراضي. لأن المالك الحقيقي لهذه الأراضي هو الشعب الأذربيجاني فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر الأول لأتراك أذربيجانيي العالم عقد في الفترة من 9 إلى 10 نوفمبر 2001 ، والمؤتمر الثاني في 16 مارس 2006 ، والمؤتمر الثالث في الفترة من 5 إلى 6 يوليو 2011 ، والمؤتمر الرابع عقد في 3-4 يونيو ، .2016
في هذا الصدد ،المؤتمر الخامس هو أول اجتماع رئيسي لشتات بعد تحرير قره باغ ، ذكرى انتصار وطني , وحدثًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والسياسية لأذربيجان ، حيث يحضر المؤتمر حوالي 400 من ممثلي الشتات من 65 دولة.
وهي البداية الجديدة لأذربيجانيي الشتات ,الذين أظهروا في السنوات الأخيرة تنظيماً ووحدة عالية ، ولعبوا دوراً خاصاً ومهما في إطلاع المجتمع الدولي على أحقية أذربيجان في تحرير أراضيها التي كانت محتلة.
وهكذا ، هذه المرة الأذربيجانيون من شتى أنحاء العالم اجتمعوا في مدينة شوشا التاريخية لؤلؤة قره باغ. لذلك فإن هذا الحدث له معنى رمزي كبير بالنسبة لاتراك أذربيجان في المهجر ,لأن تحرير أراضينا من الاحتلال الارميني جعل هذا الواقع ممكنا بفضل النشاط الهادف والدبلوماسية والقيادة الحكيمة والحاسمة للرئيس المظفر إلهام علييف.