بقلم: عبد القادر خليل
*مدير و رئيس تحرير شبكة طريق “الحرير” الإخبارية في الجزائر
تتجه أنظار العالم اليوم عامةً والشعب الأذربيجاني خاصةً صوبَ مدينة شوشا التاريخية، المدينة المحررة من براثن الاحتلال الأرميني الذي عاث في أرضها فسادا طيلة ثلاثين سنة خَلَتْ، فقد احتلها الأرمن في 8 مايو 1992 أي مباشرة بعد استقلال البلاد من الاتحاد السوفياتي، وتم تحرير شوشا في 8 نوفمبر 2020 بعد حرب تكتيكية دامت 44 يوما، وبعزيمة فولاذية أحرَزَ فيها الجيش الأذربيجاني النصر العظيم، استعاد خلالها أراضيه المحتلة.
شوشا ذات الأهمية التاريخية والثقافية للشعب الأذربيجاني، ليست مجرد مدينة محررة من الاحتلال فحسب، بل هي رمز لإقليم قره باغ ولكل مواطن أذربيجاني، لما تتميز به من ثراء حضاري وثقافي وجمال طبيعي يجعل منها وجهة سياحية بامتياز. كما أن الموقع الجغرافي لمدينة شوشا يعطيها أهمية استراتيجية، كونها تقع على الطريق المؤدية إلى خانكندي أكبر مدينة في منطقة قره باغ، وتتواجد فيها العديد من المعالم التراثية التاريخية -الثقافية والدينية كما تتميز شوشا بأنها مسقط رأس علماء وشخصيات ثقافية بارزة، وخاصة في مجال الفنون والموسيقى، إذ تُلقب بمهد الثقافة الأذربيجانية. إذْ أن شوشا موطن العديد من الموسيقيين الكبار أمثال “جبار قار ياغدي أوغلو” و”قربان بيريموف” و”سيد شوشنسكي” و”عزير حاجييوف” و”رشيد باهبودوف” و”نيازي” و”فكرت أميروف”. إضافة إلى أنها موطن كتاب ومفكرين مشهورين أمثال “خورشيد بانو نطاوان” و”قاسم باي ذاكر” و”سليمان ثاني أخوندوف” و”عبد الرحيم حق وردييف” و”نجف باي وزيرف” وعديد الشخصيات البارزة في تاريخ الفكر التركي.
ليس صدفة أن يختار الرئيس إلهام علييف شوشا عاصمة للثقافة الأذربيجانية لعام 2021، ويُعْلِنَ هذا العام 2022- “عام شوشا”، إضافة إلى انتخاب المجلس الدائم لوزراء الثقافة للبلدان الأعضاء لدى منظمة الثقافة التركية الدولية “شوشا عاصمة للثقافة في العالم التركي” لعام 2023. بل هو تأكيد للعالم لمكانتها التاريخية ورمزيتها الثقافية بالنسبة للشعب الأذربيجاني.
في هذا اليوم الجمعة، 22 أبريل 2022، والذي يصادف اليوم العالمي للأرض، وبرعاية سامية وإشراف شخصي للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، تحتضن مدينة شوشا حدثا وطنيا ذا بعد عالمي كبير، إنه المؤتمر الخامس لأذربيجانيي العالم. هذا المؤتمر يكتسي أهمية بالغة في قلوب الشعب الأذربيجاني، إذ أنه يعقد لأول مرة في مدينة شوشا العائدة إلى أحضان الوطن الأم، بمشاركة 400 من الأذربيجانيين القادمين من 53 دولة من مختلف أرجاء العالم. إنه الحلم الكبير الذي طالما راود كل مهاجر أذربيجاني التواجد في شوشا بكل فخر وعزة.
وتَجْدُر الإشارة أن المؤتمرات الأربع السابقة كانت جميعها في مدينة باكو، حيث عُقِدَ المؤتمر الأول لأذربيجانيي العالم بمبادرة من الزعيم الوطني حيدر علييف في نوفمبر2001، أما المؤتمر الثاني فقد عُقِدَ في مارس 2006 وِفْقًا لأمر الرئيس إلهام علييف، والمؤتمر الثالث في يوليو 2011، وعُقِدَ المؤتمر الرابع في يونيو 2016. بينما تزينت شوشا هذا العام لاستقبال المؤتمر الخامس.
تولي الحكومة الأذربيجانية بقيادة الرئيس والقائد المظفر إلهام علييف، وكذا عامة الشعب الأذربيجاني، أهمية بالغة للدور الكبير الذي يلعبه جميع الأذربيجانيون المقيمون عبر العالم، وبمختلف مجالاتهم وتخصصاتهم، سيما منهم المنتمون إلى وسائل الإعلام والمُمَثليات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والوطنية والشركات الأذربيجانية.. والذين من شأنهم تقريب المسافات وتوطيد علاقات الصداقة والتعاون بين أذربيجان والدول المتواجدين فيها، والتعريف بما تزخر به أذربيجان من مكاسب تاريخية وثقافية وسياحية واقتصادية فضلا عن التعريف بالقضية الجوهرية المتمثلة التضحيات الجسام للشعب الأذربيجاني من أجل حرية وعزة وكرامة الوطن، والنصر العظيم الذي حققه الجيش الأذربيجاني الباسل على العدوان الأرميني وتحرير المناطق الأذربيجانية التي ظلت تحت الاحتلال الأرميني طيلة 30 سنة، وفي مقدمتها مدينة شوشا التاريخية وإقليم قره باغ لؤلؤة أذربيجان.
تساهم اللجنة الحكومية للعمل مع الشتات لجمهورية أذربيجان (Diaspora) في تنظيم وتأطير العديد من الفعاليات داخل الوطن وخارجه ومتابعة نشاطات وأعمال الأذربيجانيين عبر العالم.
ومن أبرز النشاطات التي نظمتها اللجنة ضمن حملة “العدالة لخوجالي” دعوة مجموعة من الكُتاب والصحفيين والحقوقيين والمدونيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لزيارة أذربيجان ضمن برنامج ثري، ليشاهدوا عن قرب وبأم أعينهم آثار الدمار والتخريب البربري والمقابر الجماعية التي خلفها الاحتلال الأرميني الغاشم في الأراضي الأذربيجانية، والأماكن المزروعة بالألغام المضادة للأفراد، ولقاء شهود عيان لمجزرة خوجالي، التي صُنفت “إبادة جماعية” ضد الشعب الأذربيجاني وباعتراف عديد المنظمات الدولية وفي مقدمتهم منظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى زيارة مدينة شوشا المحررة، والوقوف عند معالمها الثقافية والدينية المدمرة من طرف الأرمن، والتعرف على سيرورة أعمال البناء والإعمار في المنطقة
وفي هذا الإطار، أرى أنه من واجبي التنويه ببعض النماذج الأذربيجانية الناجحة والمتميزة، التي تعمل بكل حيوية ونشاط خارج الحدود، وتقدم الكثير من أجل الوطن، كونها جسراً يربط أذربيجان بالعالم.