بقلم الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طبيب – باحث في الشان التركي وأوراسيا
يحمل الربيع في العالم التركي طابعا مختلفا، فمع دخول شهر مارس/أذار من كل عام يبدأ الاتراك في أسيا الوسطى وصولا الى الاناضول في الاستعداد لموسم الاعتدال الربيعي، وموسم الاحتفالات والفرح، التي يحتفل بها على مدار الشهر.
في كل عام وعلى أعتاب الربيع ورأس السنة الشمسية يعتبر عيد النوروز واحد من الأعياد التقليدية لدى الأتراك التي ما زالوا يحتفلون به في كل سنة في 21 آذار/ مارس في تركيا وآسيا الوسطى وفي المناطق التي يعيش فيها الأتراك منذ القرن الثامن قبل الميلاد. ويُعتبر النوروز في الثقافة التركية أوّل يوم من أيام الربيع وفيه يتساوى الليل بالنهار وهي مكرسة لحدث سعيد – نهاية الشتاء وقدوم فصل الربيع.
الاحتفال بالنوروز في العالم التركي يعني الاحتفال بالعام الجديد ، أول أيام الربيع. حيث يعتمد اليوم الأول من الربيع في التقويم القديم على الدوران السنوي للشمس ، ووفقًا للعلماء ، فإن تاريخ هذه العطلة قديم جدًا. منذ العصور القديمة ، رأى الشعوب التركية من اسيا الوسطى وصولا الى الاناضول بان انتصارًا الخير على الشر بدأت في الربيع . وسميت يوم الانتصار بعيد النوروز – يوم جديد حيث ان عمر هذا العيد أكثر من 5000 عام.
ومن أهم الروايات حول النوروز لدى الأتراك هي قصة ” الملحمة أرغينيكون التركية ، التي اشتهرت باعتبارها ملحمة تاريخية للعالم التركي ،التي تتحدّث عن أنّ الأتراك غوك تورك هُزِمُوا بالخدعة وقُتِل وأُسِرَ الكثير منهم. والذين هربوا من أيدي الأعداء تحت قيادة البطلان كيان ونكوزور ذهبوا إلى جبل “أرغينيكون” كانوا يعتقدون بأنّ أحداً لن يجدهم هناك . وإن غوك تورك عاشوا في تلك الجبال اكثر من 400 عام ومع مرور الزمن عندما كانوا يرغبون بالخروج من الجبل كانوا يَرَوْن أنّ الجبال الحديدية تحيط بهم. و لذلك كانوا يُشعِلُون النار فتنصهر الجبال ويرجعون إلى وطنهم السابق.ومن ثم ترك الأتراك أرغينيكون ، وانتقموا من أعدائهم وحرورا أراضيهم ، وأطلقوا على هذا اليوم اسم “نوروز يوم جديد”.ووفقا للعادات والثقافات التركية فإنّ عيد النوروز هو قبل “يوم الهروب من أرغينيكون أو يوم الانتصار”، ولذلك يُعتبر عيد أرغينيكون أو عيد بوزكورت او تسمى”سلطاني نوفروز” ، “نوروز” في أذربيجان ، “نوروز” في قيرغيزستان ، “نافروز” في تركمانستان و أوزبكستان وغيرها بنفس المعنى. يتم الاحتفال بهذا العيد في العالم التركي من آسيا الوسطى إلى الأناضول منذ خمسة آلاف عام من المستحيل تخيل العالم التركي من دون عيد نوروز يوم الجديد.
الاستعدادات لنوروز تبدأ قبل شهر في العالم التركي.
تنقسم هذه الفترة إلى أربعة أيام أربعاء خلال شهر : الماء والنار والرياح والأرض حيث تسمى كل يوم أربعاء بهذه التسميات.
في أول أربعاء يذوب الثلج والجليد ، تتجدد مصادر المياه ، يفيض ، وفي يوم الأربعاء الثاني تدفئ الشمس التربة ، وفي يوم الأربعاء الثالث تتحرك مياه الرياح والنار ، وفي يوم الأربعاء الرابع تستيقظ التربة تمامًا ويبدأ الناس حفل الزرع الربيعي.
يوم الأربعاء الماضي يفعل ما لم تستطع فعله أيام الأربعاء السابقة ، أي أنه يكمل طرد الشتاء ، وتبدأ الأشجار الازدهار تبلغنا بقدوم الربيع.
تكون هناك موائد مفتوحة في جميع العائلات ، ويتم تقديم 7 أطباق: الشعير ، والعصيدة ، والخضروات ، والسماق ، والحليب ، والبصل ، والماء ، إلخ. يتم وضع البقلاوة ، والحلويات الاخرى ، وتضاء الشموع في الأسرة لكل فرد من افراد العائلة. هذا العيد يسمى أيضا عطلة الوحدة.هذا يعني أنه يجب على جميع أفراد الأسرة الاحتفال معًا في ليلة هذا العيد . يهنئ الناس بعضهم البعض ، ويتمنون لبعضهم البعض حياة سعيدة ، ويضحكون ويلعبون ويمرحون اطفالا وكبارا.تتميز هذا العيد بإنسانيتها أيضًا لان الناس يسامحون بعضهم البعض ويزورن الاقارب والجيران حتى ولو كان بينهم خلافات. ويعتبر هذا العيد أيضا اختبارا للحظ.
هناك أيضا عادات تسمى “المياه الصامتة”وفي يوم الأربعاء الاخير، يغتسل الناس بهدف تطهير نفسه من خطاياه القديمة ومن ثم تقام احتفالات في الساحات بالقفز فوق المياه الجارية والنار. ومن العادات التقليدية ايضا خلال هذه الأعياد ، هناك كمين على الابواب ورمي قبعات. في يوم العيد لا يمكن إخراج النقود والقفازات والطحين والخبز والنار من المنزل . لقد حافظ الشعب التركي من اسيا الوسطى الى الاناضول على هذه التقاليد لعدة قرون. لذلك ، يقومون بجميع الاستعدادات قبل هذا العيد.
ليس من المبالغة أن نقول إن نوروز ، هو عيد يعكس تمامًا الوجود الوطني والروحي للشعوب التركية ، حيث يتم الاحتفال به على المستوى الوطني في جمهوريات أذربيجان وتركمانستان واوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وجمهورية تتارستان وجمهورية باشقورستان وجمهورية جيبكساري وجمهورية التاي وجمهورية ياقوتستان سيبريا في روسيا الاتحادية وكذلك اتراك قاقاوزيا في جمهورية مالدوفا وكذلك يحتفل به بعض شعوب ومجتمات الشرق الاوسط وايران.
نوروز هو عيد وطني يجلب حماسة جديدة للحياة العامة ويحيي التقاليد الوطنية.في 23 فبراير 2010 ، في الدورة 64 للجمعية العامة للأمم المتحدة ، تم إعلان 21 مارس يومًا عالميًا لنوروز.
في النهاي نجد ان عيد النوروز أن يكون العيد الوحيد الذي تحتفل به شعوب مختلفة، خاصة في آسيا الوسطى؛ إذ يضم قوميات منها التركمان وأذربيجان والطاجيك والأوزبك والكازاخ والقرغيز والبلوش والبشتون ، وحتى مقدونيا والبلقان في شرق أوروبا.
ويحتفل نحو ثلاثمئة مليون شخص في جميع أنحاء العالم بعيد النوروز باعتباره بداية العام الجديد، وللاحتفال تاريخ طويل منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة في آسيا الوسطى، وكذلك في حوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وقزوين ومناطق أخرى.
وتحتفل الشعوب الإيرانية والكردية والأفغانية والباكستانية، ويعتبر الإيرانيون حلول النوروز تزامنا مع تجدد الطبيعة عند بداية فصل الربيع رسالة لها معان إيجابية كثيرة؛ كالتفاؤل والحب والأمل والسلام، ويحتفى بالنيروز كذلك في ساحل شرق أفريقيا، ويسمى باللغة السواحلية “النيروزي”.
يعكس الاحتفالات بعيد النوروز ثقافة الشعوب التركية بكل تفاصيلة، دون أن يغفل منظموه التعريف بأزيائهم القديمة وموروثهم الشعبي في الأكلات والفن والرقصات.