تركيا … هي مفتاح العالم المقفل.!

بقلم : الدكتور مختار فاتح بي ديلي

طبيب – باحث في الشأن التركي وأوراسيا

تتميز تركيا بموقع إستراتيجي فريد عند ملتقى الطرق بين الشرق والغرب، يربط البلد بعشرة آلاف السنين من التاريخ كما أنها تتمتع بقدر واسع من التنوع المناخي والجغرافي لكونها جزءاً من أسيا وأوروبا على حد سواء. وبفضل هذا الموقع فقد كانت تركيا ومازالت مركزاً تجارياً هاماً تقع على خط سير طريق الحرير وكذلك على ممرات التجارة والطاقة العالمية..
تزداد الحاجة أكثر فأكثر إلى جهودها الفعالة في حل المشاكل الدولية في المنطقة والعالم ، وتقدم إسهامات ملموسة للسلم العالمي من خلال السياسة الخارجية المبادِرة والإنسانية التي تتبعها في منطقتها وفي المناطق الأبعد منها، تشعر بالفخر والاعتزاز لسعيها إلى اتخاذ خطوات تليق بشعبها وبالمبادئ التي وضعها الاجداد على صعيد السياسة الداخلية والخارجية.
في الفترة الراهنة تأتي أهمية الموقع الاستراتيجي لتركيا في المنطقة، ودورها في إيجاد حل للأزمة الأوكرانية، وذلك من خلال موقعها في البحر الأسود والتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، ودورها كعامل توازن بين أوكرانيا وروسيا وبسبب موقفها المحايد من الأزمة الروسية الأوكرانية ، ومشاريعها التنموية في شرق البحر المتوسط ​​، وتقاربها مع الاخوة في دول الخليج ، دفع تركيا إلى الصدارة سياسياً واقتصادياً في المنطقة.

بتصاعد الاحداث في المنطقة أدى التدخل الروسي لأوكرانيا إلى زعزعة توازن العالمي خلال الاسبوعين الماضيين.
الدول التي انقسمت إلى قطبين بقطع علاقاتها السياسية ،تبحث عن مخرج اقتصادي وسياسي. خاصة دول أوروبا في مأزق، التي تعتمد بشكل خاص على روسيا في تامين الطاقة .أن الدور التركي من شأنه أيضًا أن يكتسب أهمية استثنائية في حال احتكام روسيا والولايات المتحدة لطاولة المفاوضات أو تحويل الأزمة في أوكرانيا إلى أزمة تحت السيطرة. هذا الوضع سوف يحول تركيا، بصفتها أقوى عضو في الناتو مطل على البحر الأسود، إلى دولة تمتلك مفاتيح الحل في حوضه.
لذلك نستطيع القول إن وجود تركيا العضو في حلف الناتو في البحر الأسود لا أهمية له من دون دور تركيا الريادي في ذلك، كما أن تعزيز الناتو لقواته في بلغاريا ورومانيا عبر اليونان لن يغير في أهمية الدور التركي المسيطر على المضائق البحرية.
تعتبر تركيا حالة خاصة في الأزمة الأوكرانية، نظرًا لموقعها الجغرافي، ودورها الجيوسياسي في البحر الأسود، وشبكة العلاقات التي تربطها بأطراف الأزمة.
تركيا وبعد إعلان حيادها من الازمة الراهنة ، ومع السياسة الحكيمة والرؤية الاستباقية للرئيس رجب طيب أردوغان ، أصبحت تركيا العنوان الجديد لكل لكافة الحلول السياسية والاقتصادية وممرا هامة للطاقة العالمية.

خلال الفترة القادمة رئيس إسرائيل قادم إلى أنقرة اليوم. وستكون على الطاولة المباحثات نقل الغاز الإسرائيلي إلى الغرب عبر تركيا.
كتبت الواشنطن بوست في مقالها الاخير بأن الرئيس التركي أردوغان والرئيس الإسرائيلي يمكنهما إنهاء الازمة الروسية الاوكرانية.
أفاد المجلس الأطلسي في اجتماع الاخير بأن قيادة تركيا وإدارتها نعمة عظيمة لمستقبل دول الخليج .
وكما هو معروف بأن آلاف الشركات من الولايات المتحدة وأوروبا، التي مرت بأوقات عصيبة بسبب الحظر على روسيا، وجهت وجهتا إلى تركيا الان.

قلب الدبلوماسية سينبض في أنطاليا حيث تتجه أنظار العالم إلى ولاية أنطاليا التركية التي تستضيف الخميس، الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وأوكرانيا، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي. وسيلتقي لاول مرة وزير خارجية روسيا واوكرانيا وجها لوجه على نفس الطاولة بحضور وزير خارجية تركيا .

تواصل تركيا السعي لوقف النزاع بين روسيا وأوكرانيا وإحلال السلام الدائم في المنطقة، حيث ستجمع وللمرة الأولى منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والأوكراني دميترو كوليبا.ويهدف الاجتماع الذي سيعقد نتيجة الجهود الدبلوماسية المكثفة لتركيا، بالدرجة الأولى إلى وقف النزاع وضمان وقف إطلاق النار الدائم بين روسيا وأوكرانيا.وينتظر أن يكون الاجتماع نقطة تحول نحو نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير/ شباط الفائت.
وواصل وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو جهوده دون كلل، من أجل الجمع بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي يعقد بين 11-13 مارس/ آذار الجاري، حتى قبيل بدء الحرب بين البلدين.

سيزور وزير خارجية أرمينيا ورئيس وزراء اليونان ورئيس جمهورية أذربيجان الهام علييف وكذلك المستشار الألماني أولاف شولتز تركيا الواحدة تلو الأخرى.
كشفت التطورات الاخيرة في المنطقة مرة أخرى أهمية تركيا الاستراتيجية.

1- واشنطن بوست كتبت : شخصان يحلان الأزمة ، أحدهما أردوغان

بينما تستمر هجوم روسيا للأراضي الأوكرانية ، أجريت في “واشنطن بوست” إحدى الصحف الرائدة في الولايات المتحدة تحليلاته في مقالات نشرت،حول
“من سيقنع بوتين باتفاق سلام؟”
نجد عند تقييم العلاقات مع قادة البلدين ، قيل إن الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مناسبان لهذه المهمة ، وتم التذكير بأن الصين في الواقع أقرب إلى روسيا من الغرب ايضا.
تعتبر تركيا واحدة من أهم وأبرز القوى الجيوسياسية في حلف الناتو، حيث تمارس دورًا هامًا ومحوريًا في مهامه العسكرية والأمنية، لاستضافتها أهم القواعد العسكرية التابعة لدول التحالف، وهو الأمر الذي يضفي أهمية وزخمًا خاصًا على موقفها تجاه الأزمة.
تزايد العلاقات التركية مع روسيا على كافة الاصعدة من صفقات منظومة “إس 400” الدفاعية الروسية،الى اشتراك تركيا وروسيا في روابط ومشاريع تجارية واستثمارية عديدة.
ومن طرف أخر تعتبر تركيا واحدة من أهم وأبرز المستثمرين الاقتصاديين في أوكرانيا، حيث تنامت التجارة الثنائية بين الجانبين بنسبة 50% تقريبًا خلال الأشهر الـ 9 الأولى من عام 2021، مع وجود أكثر من 700 شركة تركية استثمارية في أوكرانيا.
في إطار تبني تركيا لرؤية تتمحور حول تطوير صناعتها الدفاعية وحمايتها من الضغوط والعقوبات الغربية، تعتبر أوكرانيا من أهم أعمدة تلك السياسة، لا سيما أنها تصنع المحركات التي تستخدمها تركيا في تشغيل الجيل الحديث من الطائرات التركية من دون طيار “الدرونز”.
وتعتبر أوكرانيا أن تركيا تمثل شريكًا عسكريًا قويًا في مواجهة المد الروسي على أراضيها، وتعتمد عليها بشكل كبير في إثارة قضية الإقليم في المحافل الدولية، والتنديد بما تسميه “المظالم” التي تقع على عاتق تتار القرم من قبل السلطات الروسية، لا سيما لتبني تركيا منذ عام 2014 موقفًا مناوئًا للتدخل الروسي في الإقليم، مؤكدة على وحدة الأراضي الأوكرانية.

2- وزير خارجية أرمينيا سيزور تركيا أيضا
عززت محادثات التطبيع التي بدأت بين تركيا وأرمينيا الآمال في السلام والاستقرار والتعاون في المنطقة القوقاز والمنطقة بأكملها.ولا تزال الخطوات المتبادلة بين البلدين تأتي في هذا الصدد من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات وحسن الجوار بين البلدين والشعبين.
بعد إعلان أوكرانيا وروسيا مشاركتهما في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، أعلن وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أنه سيحضر منتدى أنطاليا أيضا الذي سيعقد في 11-13 مارس.
بعد حرب قره باغ الثانية ، عقدت جولتان من الاجتماعات في يريفان وجنيف بين الممثلين الخاصين في نطاق تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا.

المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، السفير تانجو بيلجيتش ، “تم الترحيب ببيان أرارات ميرزويان بشأن مشاركته في اجتماعات منتدى أنطاليا.
وستسهم الخطوات المتبادلة هذه في زيادة الحوار بين البلدين والتشاور بشأن تدابير بناء الثقة بما يتماشى مع هدف التطبيع الكامل بين البلدين.

3- فتح صفحة جديدة في العلاقات مع اسرائيل بعد 14 عاما من تجميد العلاقات بين البلدين في كثيرا من الاصعدة.
حيث سيزور الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في وقت لاحق من هذا الاسبوع. سيكون هرتسوغ أول زعيم إسرائيلي يزور تركيا منذ عام 2008.
وسيحدد الاجتماع مسار العلاقات بين البلدين. ووصفت الصحافة الإسرائيلية الزيارة بأنها “فرصة مهمة للبلدين”.

وبحسب خبراء إسرائيليين ، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية ، التي وصلت إلى نقطة الانهيار في عهد بنيامين نتنياهو ، ستدخل حقبة جديدة. ستفتح صفحة إيجابية بزيارة هرتسوغ.
وتقول الباحثة روني شاكيد من الجامعة العبرية في القدس في مقالا لها : “سيكون مفيدا جدا للبلدين إذا فتحت إسرائيل خط أنابيب للغاز عبر تركيا وتصديرها إلى أوروبا”.
ومن جهته يقول ألون ليل ، القائم بالأعمال السابق في السفارة الإسرائيلية في أنقرة: “بأن الرئيس إسحاق هرتسوغ يسير على خطى والده ، الذي بنى التحالف مع تركيا قبل 30 عامًا ، خلال زيارته عام 1992في تلك الفترة.
يمكن لهذه الزيارة الرئاسية أن تملأ نصف الكوب الفارغ منذ أكثر من عشرة سنوات ، وستضع الأساس لعلاقات جيدة بين البلدين”.
ويشدد ألون ليل في تصريحات له لصحيفة المعاريف ، على أنه لاتوجد لإسرائيل أية مشكلة لخسارة العلاقات مع تركيا تحت أي ظرف من الظروف.

المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جيليك يقول : بأن لتركيا ملف شامل حول العلاقات الدولية في المنطقة..
حيث يقول بان هناك خطوات سيتم اتخاذها بعد البداية الجديدة في العلاقات مع اسرائيل ، وفي إطارها سيتم توضيح خطة العمل والخطوات الأخرى في العلاقات الثنائية وقضية فتح السفارات في إطار هذه الزيارة.
قبل الأزمة الروسية مع أوكرانيا ،كان البحر الأبيض المتوسط ​​هو مركز الأزمة السياسية في العالم.
واضاف جيليك في حديثة “لدينا ملف شامل حول التعاون بين تركيا واسرائيل في البحر المتوسط”.

سيستفيد الخليج بأكمله من التقارب بين تركيا والإمارات العربية المتحدة

بعد الربيع العربي ، تدهورت العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة ، وكانت هذه الدول على جوانب مختلفة في العديد من القضايا المتعلقةفي المنطقة، بما في ذلك مصر وقطر وليبيا وسوريا.
الان العلاقات التركية الخليجية تكتسب زخما مرة أخرى كما في السابق.
من منظور استراتيجي ، فإن انتقال الولايات المتحدة إلى نهج أكثر عملية وأقل حزما وأقل طموحًا لسياستها في الشرق الأوسط. أثرت ذلك على العلاقات التركية الإماراتية في فترة الماضية.
الولايات المتحدة الامريكية في السنوات الاخيرة في علاقاتها الدولية في المنطقة تريد التركيز على القضايا الداخلية وكذلك علاقاتها مع الصين وروسيا .
في السنوات القليلة الماضية قررت الإمارات العربية المتحدة في عدم الاعتماد على الولايات المتحدة فقط لذلك أرادت توسيع حلفائها في المنطقة والعالم . ومن جهة أخرى كانت القضايا الداخلية في كلا البلدين فعالة في تحسين العلاقات التركية الإماراتية على أعلى المستويات.
يحاول الان البلدان إصلاح اقتصاداتهما التي تدهورت بسبب وباء الكورونا.
حيث ان دول الخليج تستحوذ على 7٪ من الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا اليوم.هذا الاستثمار مشابه للولايات المتحدة ، التي لديها اقتصاد أكبر بكثير حيث ان حصة الولايات المتحدة في الاستثمارات 8٪.

وباء كورونا ودعوة للاستيقاظ وتحسين العلاقات

كان الوباء كورونا بمثابة دعوة للاستيقاظ لدول المنطقة للحد من التوترات وتعزيز التعاون وزيادة التكامل الاقتصادي من أجل المنفعة المتبادلة بينهما.
حيث أدت زيادة الديون ، والتضخم ، وارتفاع أسعار الفائدة ، وتقلب أسعار الصرف ، وتدهور سلاسل التوريد الطاقة، إلى دفع بلدان المنطقة إلى ترك الخلافات السياسية والعمل معًا من أجل رفاهية المتبادلة بين شعوب المنطقة.
التقارب التركي الإماراتي سيؤدي إلى النتائج التالية:

1- يمكن أن يشكل الأساس لمزيد من التعاون الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة. يجب أن تعمل تركيا والإمارات العربية المتحدة على إشراك الاقتصادات الكبرى مثل قطر ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت في جهود التكامل الاقتصادي الإقليمي.من خلال القيام بذلك ، يمكن للبلدان مواجهة الأنشطة المتزايدة للصين في المنطقة وتشكيل كتلة كبيرة لجلب الفوائد التجارية والاقتصادية إلى المنطقة.

2- العلاقات الرسمية تؤثر على القطاع الخاص أيضا . هناك طلبات لزيادة الاستثمار ونشاط الأعمال في القطاع الخاص على كلا الجانبين.

3- يقدم مشروع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 فرصة هائلة لشركات البناء والعقارات والسياحة التركية.

4- قد يؤدي دعم مجلس التعاون الخليجي واستثماره إلى استقرار الليرة التركية.

خمسة آلاف شركة أمريكية تقدم بطلبات الاستثمار والعمل في تركيا

مع بداية العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا بسبب الازمة الروسية الأوكرانية التي اثرت على الاقتصاد الروسي بشكل قوي . يؤكد الخبراء السياسيون والعسكريون والاقتصاديون بأن “دبلوماسية طريق السلام” التركية ستحقق عوائد إيجابية على المدى الطويل لتركيا وللمنطقة.

ومع إغلاق الاتحاد الأوروبي لمجاله الجوي أمام روسيا ، يُعتقد على نطاق واسع أن السياح الروس سيفضلون القدوم الى تركيا لقضاء عطلاتهم الصيفية. في غضون ذلك ، علم أن ما يقرب من 5000 شركة أمريكية لا تزال تعمل في روسيا تقدمت بطلب إلى السفارة الأمريكية في أنقرة حول ما إذا كان بإمكانها إدارة أعمالها في تركيا وتلقى ردًا إيجابيًا حول هذا الامر من قبل السلطات التركية.

ويعني كل ما سبق أن تقوية تركيا ودورها في الناتو وأوروبا أداة مهمة لاحتواء أزمات المنطقة بما فيها الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية ، ولكن يتطلب الأمر أن يراعي الغرب، ولاسيما أمريكا، أن تركيا علاقتها معقدة بموسكو، ولذا لن تصل لنفس المدى في مواجهتها مع موسكو كباقي دول الغرب، كما أن هناك حاجة لمساعدة تركيا لإيجاد منافذ اقتصادية بديلة لروسيا، والأهم دعم مساعي تركيا لتقوية واستقلال جيشها، وهي المسألة التي كانت سبباً رئيسياً للخلاف بين واشنطن وأنقرة، كما حدث في صفقة شراء أنقرة لصواريخ إس 400 الروسية.ولذا فإن الغرب بحاجة لإعادة النظر في حصاره غير المعلن في المجالات التقنية العسكرية لتركيا.

فالأزمة الأوكرانية الروسية الحالية تؤكد للغرب أن تركيا الحليف والعضو في الناتو ليست خصماً، ولن ترضى أن تكون تابعاً، بل يمكن أن تكون حليفاً يمكن الوصول معه لاتفاقات موثوقة.