عمّان أيام زمان !

ناديا هاشم العالول

  نحاول اللجوء الى واحة معنوية نستكين بها بعيدا عن كل المنغضات المحلية والعالمية الناجمة عن وقوعنا بين تطرفين بهذا الزمن (غير الجميل): أحدهما أقصى الانفتاح السلبي لحد التسيّب وثانيهما اقصى الانغلاق العقلي مضيقين بامتدادهما الخناق على الفئة الوسطية المعتدلة.. منبع الأمان والسلام والجمال وهكذا تاهت بوصلة الاعتدال مساحتهم فهؤلاء المعتدلون هم الذين شكّلوا القاسم المشترك الأعظم بالزمن الجميل.. بينما هم الآن هم الأقل عدداً وعدة وعتاداً بزمننا هذا وهنا مربط الفرس ، ما أحوجنا لأنسنة الإنسان.. كيف؟ نقوم برسم «استراتيجية لأَنْسَيَةٍ الإنسان» يشترك فيها مختصون عالميون ومحليون لتقليص نسبة التغؤل المرتفعة بالعالم دو ان نهمل دور الأسرة بتنمية  العناصر الإنسانية بفلذات كبدها من خلال تربية تبثها تفرّق بين الغث والسمين مختارة الأفضل والأجمل.. مبتهلين بهذا السياق لرب العالمين بأن يرفع عنا كل بلاء ووباء فقد أرهقتنا الكورونا وسلسلتها المتتابعة التي غيرت نمط حياتنا تماما فأصبح القعود بالبيت بمثابة ملجاً ومهرب من هذا العدو الذي يتسلل خفية لأعماق أعماقنا ناشرا المرض والملل والضجر علما ان البعض الآخر استغل الوقت اح7ن استغلال وكل وهوايته وكل وميوله.. فمثلًا بالنسبة لعشاق المطالعة فقد عادوا إلى دفء الزمن الجميل و”كَنْكَنَةٍ «الجلوس بصحبة كتاب ورقي يتابعه بشغف بعيدا عن الدؤامة الماضية التي اشغلتنا/قبل الكورونا/ بخوائها المادي والمعنوي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع! نعم ما أجمل الجلوس والكَنْكَنة مع كتاب ورقي وكما يقولون: وخير جليس في هذا الزمان كتاب! بالمناسبة أقوم بالوقت الحاضر بمتابعة الجزء العاشر بمجلديْه الاول والثاني لموسوعة ” عمان أيام زمان ”  زمان» للمؤرخ الدكتور عمر العرموطي.. الذي صدر بمناسبة مئوية الدولة.. كما انهيتُ مسبقاً/ قبل الكورونا/ الأجزاء التسعة السابقة على مدى عقد من الزمن.. تابعت جهده واجتهاده لإخراج هذا الحصاد الثقافي للنور.. قاطفاً من كل روض زهرة عبر سرد تاريحي محبّب نقل عبق الماضي للحاضر من سنة الهزّات والثلجات الكبيرة الى فيروس كورونا.. مطرّزاً وقائعها على إيقاع روايات سمعها بنفسه من شخصيات تحمل بذاكرتها حكاية عمان الأصيلة عندما كانت مدينة لا يزيد عدد سكانها على 4000 نسمة لتصبح الآّن 4 ملايين نسمة.. متطرقا لأسماء الشوارع والجبال وسبب تسميتها. حاسباً سلالم عمان الحجرية ذات «المليون درجة».. لم ينس ذكر مبيّض النحاس وصانع السلال. وبائع الجفت وصانعة السجاجيد.. مذكرّاً إيانا كيف كان الأردن يصدّر القمح للخارج قديماً وحديثاً علاوة على ذكره لوقائع عدة تتعلق بالسياسيين والاقتصاديين وصناع القرار.. أتوقف عند واقعة طريفة روتها له الست أميمة الرفاعي عرفات مربية جلالة الملك عبدالله الثاني التي قالت: «عندما كان جلالته طفلا كان يتمنى أن يقلّد الخليفة العادل عمر بن الخطاب الذي كان يتخفى ويتحسّس مشاكل الناس.. وقد تحقق ذلك حينما اصبح جلالته ملكا على الأردن فقد كان يتخفى متفقداً أحوال الناس».. لقد تتبع الكاتب تفاصيل تاريخية واجتماعية وثقافية وسياسية تشمل الأفراد والجماعات والأوطان عبر سرد مشوق حتى انني شعرت بأنني اقرأ كتاب «ألف ليلة وليلة لعمان أيام زمان» أو بالأحرى «خمسة آلاف صفحة وصفحة» من موسوعة عمان ايام زمان! مجهود كبير للكاتب قدّم خلاله على مدى عقد من الزمن ونيف معلومات تاريخية بأسلوب جميل لطيف ظريف ممتع ناقلا القارئ بين محطة واخرى.. تُعتبر كل محطة منها بمثابة كنز مفيد ببعث فينا نوستالجيا الحنين والشوق لأصالة ذلك الزمن بأهله وأحداثه ووقائعه.. فتخليد ايام زمان ليس للترفيه فحسب ولكن للاستفادة من النماذج التي سطّرتها الذاكرة وحفظها التاريخ.. فما أحوجنا جميعنا صغاراً كباراً إلى جرعات من أيام زمان سواء المسجَّلة بالذاكرة أو المحفوظة على صفحات ورقية وألكترونية لتكون بمثابة محطات زمنية لذاكرة وطنية محفورة بالقلب والوجدان.. فعبق الماضي مرغوب ومطلوب لجميع الأجيال.. لماذا؟ لنثمّن ماضينا..ونحمي حاضرنا..وننمّي مستقبلنا..

https://nayrouz.com/post.php?id=246125