20 يناير.. ذكرى الدم والحصار السوفيتي للعاصمة الأذربيجانية “باكو”

أبوبكر أبوالمجد 

في مثل هذا اليوم منذ 32 عامًا، وعلى الجانب الآخر من عالمنا الحزين، كانت أذربيجان تبكي دمًا على حصار عاصمتها، وإزهاق أرواح أبنائها، وانتهاك حرماتها، ومساعي وأد حريتها المنشودة من قبل القوات السوفيتية. 

لا صوت للعقل.. لا وجود للرحمة.. لا مكان للإنسانية، فلا صوت يعلو فوق صوت العنف والإرهاب والدم.    

ففي منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 1990، قامت القوات السوفيتية بالهجوم على العاصمة الأذربيجانية، باكو، من كافة الاتجاهات، برًا وبحرًا، في محاولة أخيرة لإنقاذ النظام الشيوعي، ووأد الكفاح الوطني التحررى للشعب الأذربيجاني. 

وبحجة “إعادة النظام إلى المدينة”، قام السوفييت بتنفيذ “الضربة”، وهي العملية العسكرية الوحشية التي لم تبق أو تذر. 

فلا مجال للتفريق بين مدني أو عسكري، مسالم أو مسلح! 

وسقط قتيلا في الشوارع أكثر من 130 مواطنًا، وأكثر من 700 جريحًا، وتم اعتقال وتعذيب مئات الناس.

وكان من بين الضحايا فتى عمره 7 سنوات، وفتاة عمرها 16 سنة، وشيخ عمره 80 سنة، وطبيب شاب أطلق عليه الرصاص في سيارة إسعاف أثناء مساعدته للضحايا الآخرين.

كانت هذه الممارسات العسكرية الإجرامية بأوامر من رأس الاتحاد السوفيتي، آنذاك، ميخائيل جورباتشوف، الذي رشحه الغرب بعد هذه الجريمة بتسعة أشهر لنيل جائزة “نوبل للسلام”! 

وكان استخدام القوة الغاشمة من قبل 30 ألف عسكري سوفيتي، ضد المدنيين الأبرياء، بمثابة محاولة يائسة لوقف تفسخ الحكم الشيوعي في أذربيجان.

وقد قامت القيادة السوفيتية بإصدار أوامر لحوالي 30 ألفاً من الجنود السوفيتية المدججة بالأسلحة الثقيلة لاقتحام مدينة باكو وذلك في محاولة لقمع الشعب الذي أصر استرجاع استقلاله، حيث تم القيام بذلك الاقتحام بوحشية لم يسبق لها مثيل، مما أدي إلى قتل أكثر من 130 شخص من المدنيين، وإصابة 700 شخص بجروح، وتم اعتقال وتعذيب مئات الناس. وكان من بين الضحايا فتى عمره 7 سنوات، وفتاة عمرها 16 سنة، وشيخ عمره 80 سنة، وطبيب شاب أطلق عليه الرصاص في سيارة إسعاف أثناء مساعدته للضحايا الآخرين، وكثير من المدنيين الأبرياء.

تناقضات 

فضح التناقض بين القيادات السوفيتية حقيقة النوايا الخبيثة للعدوان السوفييتي المجرم، بعدما قال وزير الدفاع السوفيتي ديمتري يازوف، بأن هدف العملية العسكرية في أذربيجان كانت لحماية الحكومة الشيوعية في باكو، ومنع التيار المطالب بالحرية والاستقلال من الفوز في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في شهر مارس عام 1990.

وقد ورد في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش بأن هذه المأساة «من بين أبشع انتهاكات حقوق الإنسان … وقد استهدفت الهجمات الأطقم الطبية، وسيارات الإسعاف، وطالت المستشفيات»، وهذه التصريحات تناقض إفادات جورباتشوف، الذي ادعى أنه كان يحارب الأصولية الإسلامية في أذربيجان خشية انتشارها وانتقالها إلى الجمهوريات السوفيتية الأخرى.

العدوان وآثاره

بدأت بوادر هذا العدوان عام 1988 حين قام زعماء الحزب الشيوعي السوفيتي البائد بمحاولات جدية لفصل منطقة قراباغ الجبلية التابعة لأذربيجان وضمها إلى جمهورية أرمينيا نتيجة الضغط الأرميني المتواصل على القادة السوفييت الموالين لهم داخل الإتحاد السوفيتي وخارجه.

لقد أيقن الشعب الأذربيجاني بأن القيادة السوفيتية قد باعت قضيته وتواطأت مع أرمينيا ووجهت له طعنة من الخلف حيث اتضح هذا الأمر في موقف القادة السوفييت المتردد والمتخاذل تجاه هذه القضية العادلة والذي تمثل في الدعم اللامحدود للأرمن في عدوانهم على جمهورية أذربيجان.

ونتيجة لهذا الدعم والتواطؤ، فقد بدأ الأرمن طرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية في أرمينيا وقراباغ تمهيدًا لفصل منطقة قراباغ الجبلية من أذربيجان.

لقد هب الشعب الأذربيجاني في تلك الفترة الزمنية لمقاومة إجراءات أرمينيا عن طريق تنظيم المظاهرات والاجتماعات الجماهيرية الحاشدة تضامنا مع الشعب الأذربيجاني المطرود من أرمينيا وقراباغ الجبلية استنكارا لموقف وسياسة القادة السوفييت المتواطئة مع أرمينيا. 

لقد شكلت هذه المظاهرات والاجتماعات نواة للحركة التحريرية للشعب الأذربيجاني. وبهدف قمع الحركة التحريرية لجأت القيادة السوفيتية في محاولة للحفاظ على الإمبراطورية إلى استخدام القوة ضد الشعب الأذربيجاني؛ ففي ليلة التاسع عشر من يناير عام 1990 دخلت القوات المسلحة للاتحاد السوفيتي السابق إلى مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان والعديد من المدن الأذربيجانية الأخرى مستخدمة أحدث الأسلحة المتطورة حيث فتح الجنود نيران أسلحتهم في كل اتجاه وقتلوا وجرحوا المئات من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل.

لقد شكل هذا العدوان جريمة بشعة في حق المواطنين الأبرياء العزل وانتهاكاً صارخاً لسيادة جمهورية أذربيجان وانتهاكاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

إرادة الأمة

كان هذا الاعتداء الوحشي بمثابة امتحان للكرامة الوطنية وحمل رغبة اكيدة في وأد إرادة الأمة الأذربيجانية ورغبتها في نيل استقلالها.

 وبالفعل نجح الشعب الأذري في تحويل 20 يناير من ذكرى للنكبة والقمع والعدوان، إلى يوم للعزة والكرامة وتحقيق الانتصار.  

فقد فشلت الفظائع المرتكبة في قمع حركة الاستقلال المتزايدة، وعززت إرادة وعزيمة الشعب الأذربيجاني لاستعادة سيادة الدولة، حيث استقلت أذربيجان أذربيجان عام 1991، ومنذ ذلك الحين أصبحت عضوا بارزاً في المجتمع الدولي.

وفي يوم 20 يناير من كل عام يزور آلاف من الأذربيجانيين «مرقد الشهداء» في مدينة باكو تقديراً لذكرى أبناء الشعب الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال أذربيجان.

وبعد مرور اثنان وثلاثين عاماً على «يناير الأسود»، يتخذ شعب أذربيجان من ذلك اليوم ذكرى للحرية والعزة والكرامة الإنسانية، عازماً على مواصلة الكفاح من أجل التقدم نحو مستقبل واعد.

لكن المؤسف حقيقة، أن هذه المأساة لم تلق حتى اليوم تقييما قانونيا دوليا لها بصفتها انتهاكا لحقوق الإنسان، ولم تحظ بالتأصيل الجاد لها لمعاقبة المسؤولين عنها، والمشاركين فيها، وتعويض أهالي المتضررين منها؛ لكن الحق سيعود ما ظل أصحابه يطالبون به، وما بقيت أذربيجان حرة قوية أبية موحدة مستقلة.