نشرت وسائل الاعلام العربية منها صحيفة “الانباط” الأردنية مقالا للكاتبة الأردنية الروسية الأصل يلينا نيدوغينا عن عالم النحو العربي الشهير في أذربيجان. تعيد وكالة اذرتاج نشر المقال:
” للأسف الشديد، لم يُكتب باللغة العربية ويُنشر في العالم العربي سوى القليل، أو أقل القليل، عن إبراهيم الأراشي، عَالِم النحو العربي الشهير في أذربيجان، والذي كان أحد العُلماء الأذربيجانيين الأبرز في تعليم لسان الضاد.. أنه إبراهيم الأراشي الشكوي (من “أراش” أو “عرش”، في محافظة يفلاخ الحالية). عاش الأراشي في القرن الثامن عشر. قدَّمَ هذا العَالِم الأذربيجاني مساهمة كبرى، ليس فقط في دراسة اللغويات العربية والتعريف بها فحسب، بل وفي تطوير الفكر العلمي في أذربيجان في تلك النقلة التاريخية والعلمية، بالرغم من أن اللغة العربية اكتسبت، كونها لغة القرآن الكريم، شهرة ومتابعة واحتراماً في الدول التي اعتنقت شعوبها الإسلام ديناُ، إلا أن المراجع العربية المُتاحة لم تتطرق بما فيه الكفاية لهذا العَالِم الجليل وخدماته الجُلَّى في سياق تَخصصه. كذلك، وللأسف الكبير، لم يُدرَّس التراث العلمي الغني للعَالِم الأذربيجاني إبراهيم الأراشي بالكامل، وفي الواقع هو في حاجة إلى اهتمام ودراسة عميقة ومفصلة، فمن شأن ذلك التقريب والتداخل والتلاقح بين العالمين العربي والإسلامي على اتساعهما، في مجالات منها الفكر واللغة، ما يُفضي إلى تجذير “القَرَابَة في الدم”، وبالتالي التآخي الفِعلي في الحياة اليومية، ومن خلال التبادلات المختلفة العناوين، وهذا يُعدُّ ترجمة حقيقية تنعكس على أرض الواقع المُعَاش، وفي التفاهم المتبادل بمختلف عناوينه الرسمية والشعبية لدى العامة والخاصة.
تؤشر المصادر التاريخية على أن أراش، التي ينتمي هذا العَالِم إليها، كانت مدينة رئيسية ومزدهرة حينذاك، فقد كانت تنتج أفضل وأكثر أنواع الحرير الخام، واشتهرت كمركز تجاري آنذاك. وانتقل الأراشي إلى مدينة شيكي شمال غربي أذربيجان، وبدأ هناك تدريس اللغة العربية في المدرسة، ليزرع في الجيل الجديد مشاعر المحبة والتضامن بين العرب والأذربيجانيين، ولإنتاج واقع جله توحيد الأماني والتطلعات الأذربيجانية والعربية.
تقول المراجع الأذربيجانية الرسمية والإعلامية والعلمية، إنه وبعد دخول بعض البلدان في إطار وحقبة الخلافة العربية في القرون الوسطى، اكتسبت اللغة العربية لكونها لغة القرآن، مكانة مهمة في حياة المجتمعات، من بينها المجتمع الأذربيجاني. وبالتالي، أصبحت هذه اللغة “لينقوا فرانكا” – وهي اللغة المستخدمة بشكل منهجي لتمكين الاتصال الفعّال بين الأشخاص الذين يتحدثون لغات مختلفة، وفي التواصل بين سكان الجغرافيات الشاسعة لتلك المجتمعات. لهذا السبب، توافَر في هذه البلدان عدد كبير من المؤلفات والرسائل العلمية باللغة العربية، وعلى هذه الأرضية الخصبة، برع عدد متكاثر من عُلماء أذربيجان في مجال تعليم قواعد النحو والصرف للغة العربية وعِلم المَعَاجِم، جنباً إلى جنب مع ممثلين آخرين عن الشرق الإسلامي الواسع. ولهذا نرى أن اللغة العربية تألقت في أذربيجان التي ترعرعت فيها “لغة الضاد” حقبة طويلة، مِمَّا أدى إلى تأسيس مدرسة كاملة لدراسة اللغويات العربية، ومن أبرز ممثليها: الأراني، البردعي، الزنجاني، التبريزي، القرباغي، النخجواني، العرشي وكثيرون غيرهم مِمَّن ساهموا بشكل كبير في تعريف السكان المحليين بأساسيات عِلم اللغة العربية، وكذلك في تطوير وتشكيل قواعد اللغة العربية نفسها.
كتب عبد الغني أفندي خالصه قاري النخوي، العَالِم الأذربيجاني والخطاط المَعروف في القرن التاسع عشر، أن إبراهيم الأراشي كان عَالما فذاً وشهيراً في عصره، ودرس النحو العربي في مدارس “شيكي”. ويدل اشتهار الأراشي بلقب “مولانا” على علو مكانته العلمية وعمق معرفته للغة العربية وإدراكه لدقائقها الممتعة، إذ لديه مؤلفين من نتاجه العلمي، هما “حاشية على شرح الانموذج الأردبيلي”، و”شرح الكافية لإبن الحاجب”.
مؤلف “الكافية في النحو” هو ابن الحاجب، العَالِم المصري الموسوعي الشهير للقرن الثاني عشر. له شروحات كثيرة باللغات الأذربيجانية والفارسية والعربية والتركية وغيرها. لكن الأراشي شرح أحد الأقْسَام في الكِتاب، وهو قِسم “المنصوبات”. أما الكِتاب الثاني من تراثه العلمي، فهو حاشية كتبها على شرح عبد الغني الأردبيلي لكتاب الزمخشري “الانموذج في النحو”.