وهم الهجره الاوروبي

بقلم.. المستشار الدكتور توفيق هوام

ان الدول الافريقية كانت ومازالت مستعمرة الاستعمار الفكري ، فإن العلاقات بين أوربا وأفريقيا تتميز بتشعب أطرافها وشبكاتها ، وتعدد وتعقـد موضـوعاتها وميادينهـا سـواء السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الأمنية أو العسكرية، وهذا يعكس كثافة وتنوع المصالح المتبادلـة بـين الطـرفين مـن جهة، وبعكس من جهة أخرى أهمية المراجعة المستمرة لهذه العلاقات وخاصة على ضوء متغـيرات مـا بعـد انتهـاء الحـرب الباردة، التي أثرت على كافة الأقاليم والمناطق في العالم، وخاصة على القارة الأفريقية.

يتحكم عدد من العوامل الرئيسية في العلاقات الأوربية الأفريقية، أهمها الميراث التاريخي الذي يغذى مشـاعر الخوف والإحساس بعدم التكافؤ، وكذلك البعد الجغرافي الذي يعمـل في الاتجـاهين :نحـو مزيـد مـن التعـاون، ومزيـد مـن الخوف التبادل، ثم البعد الثقافي الذي يربط بين الطرفين، ثم النظـام العـالمي الجديـد الـذي يمثـل أهـم متغـيرات مـا بعـد الحرب الباردة الذي يرتب دور الإقليمين في هذا النظام ويضع قواعد للعلاقات الدولية في سبيل تحقيق ما يعرف بالعولمـة، والوصول إلى عالم أكثر تماسكا واندماجاً.

ان الاتحاد الأوروبي هو أهم شريك لإفريقيا في جميع الموضوعات الممكنة: التجارة الاستثمارات والتنمية والتعاون والأمن، بالرغم أن العلاقات بين أوروبا وافريقيا لم تكن أبدا عادلة. رغم مفاهيم مثل التعاون الدولي ظلت علاقة غير متوازنة ، كما أن الهجرة هي نقطة خلاف ثانية. فالاتحاد الأوروبي يضغط على البلدان الافريقية لتأمين حدودها بشكل أفضل. فالحكومات وجب عليها منع توجه مهاجرين غير نظاميين إلى أوروبا. ومن يتعاون يحصل على المال والتجهيزات من أوروبا ، لكن بطريقة قانونية يكون من المستحيل على كثير من الافارقة الذهاب إلى أوروبا ـ ما عدا اليد العاملة المختصة التي تحتاجها أوروبا. وهذا يغضب الكثير من الحكومات الافريقية. لأن العائدين الذين لهم تكوين جيد عامل مهم لتنمية الاقتصاد المحلي والكثير من العائلات تعيش من التحويلات المالية لأقارب في الخارج.

في واقع الأمر، لم تتمكّن قلة من هؤلاء المغامرين الأفارقة من الوصول إلى الهدف النهائي، “الحلم الأوربي”، ليتكدس الآلاف منهم عبر مسارات الهجرة في مدن “العبور” التي تحولت شيئا فشيئا نتيجة صرامة القوانين والإجراءات الأوربية في التصدي لهذه الهجرة بغلق الفضاء الأوربي، إلى قلعة منيعة ضد الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى السياسات التي تضطر الدول الافريقية لتبنيها لمنع الهجرة عبر حدودها.

ومنذ بداية من تسعينيات القرن الماضي، تجددت ظاهرة الهجرة بكثافة كبيرة، مرتبطة هذه المرة بموجات الفقر، والجفاف والصراعات الإثنية والعرقية والحروب، ولكن أيضا بسبب تطور وسائل الاتصال والمواصلات؛ هذه المرة تتعلق بآلاف من الشباب المغامر من هذه البلدان في رحلة الحياة أو الموت، لتطبع عند هؤلاء بإرادة الخلاص الفردي، وهي موجة جديدة لكنها غير معزولة عن تاريخ طويل من مسيرة المهاجرين. يمكن معلمة هذا التاريخ عبر مراحل مد أو انحسار هذه الموجات، لكن المهم هو القراءة المتأنية لهذه الظاهرة وربطها بواقعها الاجتماعي والاقتصادي.

انقسمت الدول الأوروبية حول من يجب أن يتحمل المسؤولية عن المهاجرين. واقترحت المفوضية الأوروبية إصلاحات شاملة لإصلاح سياسات الهجرة: حيث حضت دول جنوب أوروبا باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي على التضامن معها في تشارك عبء المهاجرين الوافدين إلى القارة، وذلك في محادثات جمعت اليونان وقبرص وإيطاليا ومالطا وإسبانيا في قبيل قمة الاتحاد الأوروبي المنعقدة يومي 25 و 26 مارس 2021 التي تركّز على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.وجاء في بيان مشترك20 مارس 2021 “نكرر مناشدتنا القوية من أجل توازن حقيقي ضروري بين التضامن والمسؤولية في توزيع اللاجئين.وسبق لأربعة دول منها تتحمل العبء الأكبر في استقبال اللاجئين و المهاجرين (اليونان وإيطاليا ومالطا وإسبانيا) أن أعلمت المفوضية الأوروبية أن الميثاق الجديد للهجرة  لا ينصّ بشكل كافٍ على تشارك عبء المهاجرين الوافدين إلى أوروبا.

استخدم الاتحاد الأوروبي المساعدة للحد من الحوافز للهجرة غير الشرعية، فقد نشرت أوروبا أيضا معونتها لجذب التعاون الأفريقي بشأن هذه المسألة. وهذا هو الحال بشكل خاص منذ سنة 2015 عندما كانت المفوضية الأوروبية تعمل على  “مكافأة البلدان الراغبة في التعاون بفعالية … على إدارة الهجرة وضمان وجود عقوبات بالنسبة لأولئك الذين لا يتعاونون”. وفي بعض الأحيان، يكون لدى الحكومات في أفريقيا أسباب لعدم التعاون، وربما تفضل هذه الحكومات الافريقية تحويلات المهاجرين من البلدان الغنية أو تختار النظر إلى الهجرة باعتبارها صمام تخفيف الضغط لارتفاع معدلات البطالة.

وللقضــــاء على أخطار الهجرة غير الشــــرعية وانعكاســــاهتا على التنمية في منطقة إفريقيـا إتخـذت مجموعـة من الإجراءات والترتيبـات التي تعتبر التنميـة مقـاربـة لحـل إشـــــــكـاليـة تنـامي الظـاهرة، وفي نفس الوقـت الهجرة كعـامـل للتنميـة، ومن بين هـذه الخطوات العملية : الاستثمار في القطاعات الفلاحية والتكوين والتعليم وتحقيق العدلة والحرية والاستقرار و الديمقراطية والتبادل التجاري بين الدول.

ومن هذا المنطلق يتضح أن ظاهرة الهجرة الغير الشـــرعية في منطقة إفريقيا تعود إلى مجموعة من الأســــباب الســــياســــية والأمنية والاجتماعية ودوافع أخرى، لكن تنامي هذه الظاهرة وزيادة وتيرهتا يرجع إلى العوامل ذات الطابع الإقتصـــادي بالأســـاس وخصـــوصـــا ارتباط الظاهرة إبشـــكالية التنمية، التي تتضـــح جليا في التباين الصـــارخ في المســتوى الإقتصــادي بين دول منطقة شمال إفريقيا الطاردة والدول الأوروبية المســتقبلة، وقلة فرص العمل وانخفاض أجور ومستويات المعيشة.

وعليه يجب ألا نتوهم أنه من الممكن معالجة إشـــــــكالية الهجرة باللجوء إلى الوســـــــائل الأمنية فقط بل إن الأمر يتطلب نهجا شاملا ومتكاملا ومدعوما ومتوازنا تندرج أهدافه وســــياســــاته المعتمدة والتدابير التي يجب اتخاذها في الإطار الزمني، ويســــتلزم هذا النهج معالجة المســائل المتعلقة بالهجرة الغير شرعية إلى جانب الربط بين الهجرة والتنمية على المســـــــتوى الوطني والقاري (إفريقيا وأروابا).