نشرت شبكة “طريق الحرير” الإخبارية الجزائرية مقالا للدكتور مختار فاتح بي ديلي الطبيب -الباحث في الشأن التركي و أوراسيا. تعيد وكالة أذرتاج نشر المقال:
“بيان شوشا التاريخي بين تركيا و أذربيجان هو أثمن بيان في تاريخ العلاقة الاخوية الأذربيجانية التركية. من واجب الجميع في كلا الدولتين ليس حماية قيم الاخوة بين البلدين فحسب، بل الدفاع عنها في أي لحظة إذا لزم الأمر.
انطلاقا من روابط الصداقة والأخوة بين البلدين وشعبيهما، يشدد البيان على أن الارتقاء بالعلاقات التركية الأذربيجانية إلى مستوى نوعي جديد من التحالف يخدم مصالح البلدين والشعبين، وذلك عبر اتفاقية تطوير الصداقة والتعاون متعدد الأوجه بين جمهوريتي تركيا وأذربيجان وإدراكا لأهمية تضافر الفرص والإمكانيات لدى البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والثقافية والإنسانية والصحية والتعليمية والاجتماعية والشبابية والرياضية.
تم التأكيد على أهمية استمرار الجهود المشتركة في تحقيق السلام والاستقرار والأمن على الصعيدين العالمي والإقليمي وفقا لمبادئ وقواعد القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
هذا البيان تم توقيعه في مدينة شوشا الاذربيجانية المحررة من الاحتلال الارميني الغاشم ، ويحمل أهمية خاصة بالنسبة للاشقاء في أذربيجان والعالم التركي أجمع.
فلمدينة شوشا أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لاذربيجان في إقليم قره باغ بأكمله. وتم توقيع هذا البيان في شوشا المحررة من الاحتلال الأرميني، لتأكيد أهمية المدينة التي تعتبر المهد الثقافي القديم لأذربيجان والعالم التركي ككل.
تقع مدينة شوشا الأذربيجانية على ارتفاع نحو 1600 متر فوق مستوى سطح البحر ، وتشتهر بجمالها الطبيعي وينابيعها الساخنة. وتكتسي هذه المدينة أهمية خاصة لكل سكان أذربيجان، بما تزخر به من معالم تاريخية عديدة فهي رمز للحضارة، و”مهد الموسيقى الأذربيجانية”والفنانين والموسيقيبن الكبار، و من هؤلاء: جبار قارياغدي أوغلو، وقربان بيريموف، وبلبل، وسيد شوشينسكي، وخان شوشينكي، وعزير حاجبيوف، ورشيد بهبودوف، ونيازي، وفكرت أميروف. وهي مسقط رأس العديد من العلماء والشخصيات الثقافية البارزة والمفكرين والكتاب والشعراء ومن أبرزهم: خورشیدبانو ناتوان، وقاسم بك ذاكر، وسليمان ثاني آخوندوف، وعبد الرحيم حق ويردييف، ونجف بك وزيروف..
وتعد هذه المدينة أيضا أحد أبرز الرموز التاريخية لأذربيجان وثقافتها، وتتمتع بأهمية استراتيجية بفضل موقعها الجغرافي البارز في المنطقة ووجودها على الطريق المؤدية إلى مدينة خانكندي، أكبر مدينة في منطقة “قره باغ” الاذربيجانية. ووفق مصادر تاريخية، تأسست مدينة شوشا عام 1752 على يد مؤسس خانية “قره باغ” التركية، “بناه علي خان جوانشیر”.
خلال حقبة الاتحاد السوفيتي الشيوعية، كانت مدينة شوشا من أكثر المدن استضافة للسياح من جميع انحاء الجمهوريات السوفيتية، اشتهرت هذه المدينة بانهارها وينابيعها العلاجية وموقعها الطبيعي الرائع الذي يشبه قلعة حصينة، فضلا انها كانت مركزا للألعاب الرياضية الشعبية، وعلى رأسها سباق الخيول الوطنية الاصيلة.
لهذه الأهمية الاستراتيجية لمدينة شوشا اصبحت المدينة أحد الأهداف الرئيسية لأرمينيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن الماضي، عند مهاجمتها الأراضي الأذربيجانية. وفي عام 1991، احتلت العصابات الأرمينية مدينة خانكندي، ثم احتلت مدينة خوجالي المجاورة وارتكبت هذه القوات في خوجالي مجزرة مروعة راح ضحيتها 613 مدنيا، بينهم أطفال ونساء في 26 فبراير/ 1992. ومن ثم احتلت القوات الارمينية المدعومة من بقايا الجيش الاحمر السوفيتي مدينة شوشا في 8 مايو/ أيار 1992.
من أجل مدينة شوشا والدفاع عنها، استشهد مئات الأذربيجانيين، وتسبب الاحتلال بخسارة كبيرة للاقتصاد الأذربيجاني، واضطر الآلاف للنزوح عن ديارهم. حيث دمرت العصابات وقوات الاحتلال الأرمينية أكثر من 300 معلم ديني وتاريخي إسلامي، وجلبت الجاليات الأرمينية من سوريا ولبنان والعراق ومن دول أخرى وتوطينهم في شوشا، التي كان يعيش فيها أكثر من 30 ألف أذربيجاني قبل الاحتلال.
تحرير المدينة كان خلال 44 يوم في حرب قره باغ الثانية وتوقيع على بيان بين تركيا وأذربيجان له اهمية خاصة للبلدين حيث يعتبر بيان شوشا الذي وصفه الرئيس التركي أردوغان بأنه “خارطة طريق مستقبلية لعلاقات البلدين” واستمراراً لجهود الدولتين لمواصلة توحيد قدراتهما وإمكاناتهما في كل المجالات، عقب حرب قره باغ الثانية.
يعتبر الإعلان أيضاً بمثابة اعتراف وامتنان من قبل باكو للدور الحاسم الذي لعبته أنقرة في دعم أذربيجان لتحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني، في وقت فشل فيه أصدقاء باكو في الشرق والغرب في مساعدتها في هذا الملف خلال العقود الثلاثة الماضية.”