إستقبال المهين للرئيس الفرنسي ماكرون في موسكو .. هل تعمد بوتين إهانته؟

بقلم الدكتور مختار فاتح بي ديلي.

في الفترة الاخير تحاول فرنسا بإعادة التموضع الاستراتيجي من خلال تنشيط تحرّكاتها ومبادراتها الخارجية هنا وهناك، لكنّ وثباتها وتحركاتها المكوكية تفتقر إلى مقوِّمات الفعالية والاستدامة على كافة الاصعدة . تُفصح بعض المزايدات الانتخابية عن القلق الاستراتيجي الراهن في فرنسا وعن حيرة بشأن وجهة البلاد في عالم متغيِّر قابل للتجديد والتحديث.
بعد زيارة ماكرون لموسكو وجميع وسائل الاعلام المحلية والدولية تتحدث عن هذه الزيارة ، والجميع يتحدث عن كيفية استقبال بوتين لضيفه ماكرون في قصر الكرملين ، الذي قدم إلى موسكو ليكون وسيطًا للأزمة بين روسيا و أوكرانيا في ازمتهم الحالية.
في الحقيقة لم يستقبل ماكرون أي مسؤول روسي في المطار العاصمة موسكو ، وكذلك استقبال بوتين لماكرون ويده في جيبه وجلوسلهم على طاولة طويلة وفارغة حتى من كاس الماء وكذلك عدم وقوف بوتين الى جانب ماكرون وتركه دون انتظار بعد انتهاء المؤتمر الصحفي بينهما.
لقد قدّم ماكرون أفكاره الافتتاحية بشأن المواجهة المتوترة. هو جالس في الطرف البعيد من طاولة اجتماعات ضخمة في إحدى غرف الاجتماعات المزخرفة في الكرملين، والمزوَّدة بستائر مزيّنة بالذهب وأرضية خشبية. ومن الجانب الآخر من الطاولة، جلس بوتين ساكناً تقريباً، ونظر إلى ضيفه نظرة جليدية مميتة ,كان لدى بوتين سمّاعة أُذن سوداء من أجل سماع الترجمة لكلام ماكرون، لكن لم يكن واضحاً تماماً أنه كان يستمع. بينما كان ماكرون يتحدث، كان بوتين بالكاد يرمش. وفي النهاية فقط، عندما قال ماكرون إنه “مسرور” بسبب عقد الاجتماع، وأشار إلى أنه كان يختتم اللقاء، أومأ بوتين أخيراً، وأعطى رعشة طفيفة بفمه، بدت كابتسامة.
وعلى الرغم من أن الجدول اللقاء بين بوتين وماكرون كان غريب حقًا ، بحجة جائحة فيروس كورونا والحفاظ على التباعد الاجتماعي ولكن في الفترة القريبة تم استقبال والترحيب بأوربان ، رئيس المجر ، الحليف الأقرب لروسيا ضمن الاتحاد الأوروبي ، على نفس الطاولة مؤخرًا في كرملين ولكن حالة استقبال الرئيس ماكرون كانت مختلفة تمام جدا.
بعد أكثر من خمس ساعات من المحادثات معk بوتين في موسكو، لم يكن هناك شكّ كبير في دخول ماكرون عرينَ الدب، بحيث تعرَّض للهجوم. فمع حشد أكثر من 100 ألف جندي روسي وأسلحة ثقيلة عند الحدود الأوكرانية، أصرّ الرئيس الفرنسي ومستشاروه على أنه، بالنظر إلى علاقة القادة الغربيين (المتوترة) بروسيا، فإن ماكرون هو في وضع فريد، يستطيع من خلاله إقناع بوتين باتّباع مسار خفض التصعيد.
اختار بوتين طريق التحدّي، معلناً أن القرم جزء من روسيا، وحذّر من أنه إذا انضمّت أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، فإن الدول الأوروبية ستكون “تلقائياً” في حالة حرب مع بلاده.
حسب تصريحات الكرملين لم يتم اية اتفاق حول القضايا المشتركة وخاصة الازمة الروسية الأوكرانية. وقال بوتين في الاجتماع ومن ثم المؤتمر الصحفي الذي تم فيه الحفاظ على المسافة بين الرئيسين ، في الوثائق العقائدية الرسمية الأوكرانية ، تُعرَّف روسيا بأنها “العدو”.
لذا تخيل أن أوكرانيا عضو في الناتو.
بعد انضمام المزمع لاوكرانيا الى حلف الناتو سيكون هناك صراع عسكري بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
هل نحن نريد محاربة الناتو؟
أم تريد الناتو الحرب مع روسيا؟
هل تريد أن تحارب فرنسا مع روسيا؟ سأل بوتين ضيفه ماكرون.
وبعبارة أخرى ، إذا انضمّت أوكرانيا إلى حلف الأطلسي (“الناتو”)، فإن الدول الأوروبية ستكون “تلقائياً” في حالة حرب مع روسيا. وقال، وهو يوجّه إصبعه إلى مراسل فرنسي، إن “روسيا قوة عسكرية عظمى، وقوة نووية عظمى”، وحذّر من أنه “لن يكون هناك منتصرون، وسوف تنجذبون إلى هذا الصراع ضد إرادتكم”، على حد قول بوتين.
وقال ماكرون، بعد إعلان بوتين أن شبه جزيرة القرم جزء لا يتجزّأ من روسيا، إنه “تقع على عاتق فرنسا مسؤولية أن تكون لها أقوى علاقة ممكنة بروسيا”. وأضاف “نحن دولتان أوروبيتان عظيمتان، وعضوان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. وتابع ماكرون أن “الأمر واضح بالنسبة إليّ: روسيا أوروبية.
وإذا كان المرء يؤمن بأوروبا، فيجب أن يكون قادراً على العمل مع روسيا، وإيجاد السبل والوسائل من أجل بناء المستقبل في أوروبا، ومع الأوروبيين”.
فشل ماكرون في الردّ على تصريحات بوتين الاستفزازية المتعددة، من خلال التصريح بالمواقف الحازمة لفرنسا والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، أن “روسيا غزت شبه جزيرة القرم، وضمّتها بصورة غير قانونية” .

في نهاية المؤتمر الصحافي، قال ماكرون إن الغرب لن يخضع للضغط. وبعد اتِّهامه روسيا بـ”انتهاك” مبادئ، مثل “السيادة وسلامة الأراضي وحقوق الإنسان”، أوضح ماكرون أنه “لا “الناتو” ولا الولايات المتحدة الأميركية سيلبّيان جميع المطالب التي تطالب بها روسيا، تحت ضغط عسكري كبير للغاية”.
بعد المؤتمر الصحفي، حيث أدار الرئيس الروسي بوتين ظهره لماكرون وقام بمغادرة قاعة المؤتمر بخطوة سريعة قبل خروج ماكرون ودون الالتفات إليه.
كما تم تصوير ردة فعل ماكرون أثناء مغادرته القاعة، وهو في حالة ارتباك دون أن يعرف ماذا يفعل وإلى أين يتجه.

ان جهود ماكرون تتناقض بصورة صارخة مع تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي التقى، المستشار الألماني أولاف شولتز في واشنطن، إذ حذّر البيت الأبيض بوضوح من أن خط أنابيب الغاز، “نورد ستريم 2″، الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا، لن يُسمح له ببدء التشغيل إذا هاجمت روسيا أوكرانيا.
طبع ورقة الغرب في هذه الازمة هي العقوبات الاقتصادية

ضد روسيا ، أما ورقة روسيا فهي الردع العسكري .
يشعر كل من ماكرون وأوروبا بشكل عام بالقلق بشأن الازمة الحالية.
قد لا يتم قبول أوكرانيا في الناتو باستخدام حق النقض من قبل بعض اعضاء الحلف المقربين من روسيا، ولكن يمكن سحب حشد قوات الناتو في أوروبا الشرقية بإذن من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا. سواء كانت هناك حرب أم لا ؟
وبعد لقائه بوتين، قال ماكرون إن فرنسا جلبت “الصوت الأوروبي” إلى موسكو، لأنها تتولى الآن الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي”
afkarhura.com