كتب : د معتز محي عبد الحميد
بعد تحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني، بدأت أذربيجان عملية إعادة إعمار واسعة في إقليم ناجورنو قره باغ، ضمن خطة لتنمية مناطقه، وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين والمشردين داخلياً، وتقديم المشروعات الاجتماعية والاقتصادية لجميع السكان بما في ذلك الأرمينيين، وإحياء المراكز الثقافية والتاريخية في الإقليم.
وقال مساعد الرئيس الأذربيجاني مدير قسم السياسة الخارجية لدى الديوان الرئاسي حكمت حاجييف في تصريحات خاصة خلال استقبالي مع بقية الصحفيين العرب إنَّ الحكومة ردَّت على الدمار الذي أحدثه الاحتلال الأرميني برسالة التعمير والتنمية.
وكشف أنَّ الحكومة أنشأت مطاراً وطرقاً في المنطقة، كما تعمل على إرساء بنية تحتية من أجل تأمين عودة كريمة للمشردين داخلياً واللاجئين.
وأكد أن الحكومة الأذربيجانية تعمل من أجل تحويل قره باغ إلى واحة من أجل السلام والتعايش للجميع بما في ذلك الأرمينيون الذين بإمكانهم أن يعيشوا بسلام مع احترام إرثهم وتقاليدهم المسيحية، مشدداً على أن أذربيجان كدولة مسلمة تحترم جميع الأديان السماوية وستسعى إلى تطبيق هذا المبدأ في قره باغ.
اعادة ادماج المناطق المحررة
وشدَّد حكمت حاجييف على أن استراتيجية أذربيجان في الوقت الحالي تجاه المناطق المحررة هي اقتصادية واجتماعية أكثر من كونها عسكرية، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على إدماج هذه المناطق في أذربيجان من خلال حزم اقتصادية واجتماعية، بما في ذلك للسكان الأرمينيين الذين يعيشون في تلك المناطق.
وكشف في هذا الصدد عن إطلاق المشاريع التنموية في كل من أغدام وشوشا، داعياً الأرمينيين إلى الإسهام في عملية إعادة التعمير والتنمية مع احترام قوانين أذربيجان، وأن يكونوا مواطنين أذربيجانيين، مشدداً على أن الحكومة الأذربيجانية ستعمل في تلك الحالة على توفير الأمن والحماية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لهم، وذلك ضمن رؤيتها التي تسعى لإنجازها من أجل إعمار الإقليم.
وكانت الحكومة أعلنت ضمن أولوياتها في التاسع من مارس الماضي ، تطوير الإمكانيات السياحية لقره باغ، وتشييد البنية السياحية الضرورية، متوقعة أن نحو مليون سائح سيزورون الإقليم حتى عام 2025.
كما بدأت الحكومة مشروعاً لإنشاء 30 محطة كهرومائية صغيرة في الأراضي المحررة، مع التركيز على مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة.
نموذج تنموي حديث
وكشف مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف أن الحكومة تعمل على “إرساء مفهوم القرية الذكية” في عمليات إعادة الإعمار في المناطق المحررة، بكل ما يعنيه ذلك من تجديدات تكنولوجية واقتصادية واجتماعية، لافتاً إلى أنه نظراً لكون عمليات إعادة الصفر تبدأ من الصفر، فإنه من السهل للحكومة تطبيق أحدث نماذج التنمية، وإقامة مشاريعها وفقاً لهذه النماذج.
ومنذ تحرير الأراضي قبل أكثر من عام، حرصت الحكومة على استعادة الطابع الثقافي والتاريخي لبعض المناطق المحررة، بما في ذلك مدينة شوشا التي يصفها حاجييف بأنها “مرتبطة بطريقة ما بالحمض النووي للشعب الأذربيجاني”، في إشارة إلى أهميتها التاريخية والثقافية بالنسبة لأذربيجان.
وبنيت مدينة شوشا عام 1752 بأمر من أمير قره باغ في ذلك الحين بناه علي خان، ومن المرتقب أن تحتفل أذربيجان هذا العام بذكرى مرور 270 عاماً على إنشاء هذه المدينة التي لعبت دوراً كبيراً في الحياة الثقافية التاريخية والعلمية في أذربيجان خاصة، وجنوب القوقاز عامة.
إحياء المراكز الثقافية في شوشا
وكان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أصدر مرسوماً في يناير-كانون الثاني الماضي بشأن إعلان عام 2022 “عام شوشا” في جمهورية أذربيجان.
ويجري في المدينة حالياً تنفيذ مشاريع كبيرة شملت إعادة ترميم تمثال ومجمع ضريح الشاعر ملا بناه واقف، وافتتاح متحف وبيت المطرب بلبل والملحن عزير حاجيبايلي، وكذلك إعادة ترميم المعالم والآثار التاريخية والدينية والمعمارية في المدينة.
كما تم استئناف فعاليات مهرجان “خاري بلبل” الموسيقي في مضمار شوشا، وتنظيم أيام شعر واقف أمام مقبرة الشاعر ملا بناه، بما يظهر عودة المدينة تدريجياً إلى حياتها الثقافية.
وإلى جانب إسهاماتها الثقافية، تلعب شوشاً أيضاً دور المركز الدبلوماسي، حيث استضافت في مارس – ايار الماضي اجتماعاً للاحتفال بذكرى مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات بين أذربيجان ومنظمة الأمم المتحدة.
وأكد مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف أن الحكومة تعمل على تحويل شوشا إلى وجهة سياحية، وذلك من خلال استعادة طابعها التاريخي.
تحديات إعادة الإعمار
وأمام هذه الجهود لإعادة الإعمار تبرز تحديات كبيرة، أبرزها كما يقول حاجييف ضخامة المناطق المحررة إذ تبلغ مساحتها نحو 10 آلاف كيلو متراً مربعاً.
كما تبرز أيضاً، بحسب حاجييف، مشكلة الألغام، حيث يوجد في هذه المناطق نحو مليون لغم خصوصاً على طول خط التماس السابق، لافتاً إلى أن الحكومة أطلقت عملية لإزالة الألغام، جنباً إلى جنب مع مشاريع إعادة الإعمار.
وأكد حاجييف أن العملية لن تكون سهلة في ستتطلب الكثير من الموارد المالية، والوقت، لكنه شدَّد على أن القرار النهائي للحكومة هو طبعاً ضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين والمشردين داخلياً، وتحقيق التنمية.