متابعة – عبد العزيز اغراز
شهدت السنوات القليلة الماضية سلسلة من الحرائق شملت قارات أمريكا الشمالية وأوروبا وإفريقيا وآسيا، وأودت بحياة مئات الأشخاص، فضلًا عن تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء بما تحتويه من تنوّع أحيائي، حيث صُنفت هذه الحرائق ضمن أسوأ الكوارث البيئية على الإطلاق.
لم تكن الدول العربية بمنأى عما تعرضت له كلٌ من سيبيريا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واليونان، بل إن ما تعرضت له بعض الدول العربية خرج عن السيطرة، ما اضطر الحكومات العربية إلى تسخير كل طاقاتها وأجهزتها الأمنية لاحتوائها والحد من آثارها السلبية.
تغيّر المناخ والمخاطر البيئية مستقبلًا
أرجع خبراء دوليون زيادة انتشار حرائق الغابات إلى عدة أسباب على رأسها (تغير المناخ)، حيث حذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة وقاعدة بيانات الموارد العالمية (أريندال)، أنه من المتوقع أن يؤدي تغيير المناخ وتغيير استخدام الأراضي إلى زيادة الحرائق وشدتها بنسبة 14% مع حلول عام2030 وبنسبة 30% بنهاية عام 2050، فيما ستصل نسبة الزيادة إلى 50% مع نهاية القرن.
كما قدر تقرير آخر أن العالم يفقد سنويا أكثر من 4.7 مليون هكتار من الغابات، أي أكبر من مساحة أكبر من الدنمارك. ليس هذا فحسب بل تسبب تلك الحرائق الكثير من المخاطر سواء على المستوى الصحي، الاقتصادي أو البيئي، فاستنشاق دخان حرائق الغابات يتسبب بعدة أمراض في الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية. أما على الصعيد الاقتصادي فتؤدي إلى ارتفاع تكاليف إعادة الاستصلاح بعد اندلاع الحرائق الغابات، وعلى المستوى البيئي تؤدي إلى تلوث المياه، الهواء، وتآكل التربة، وتؤثر بشكل مباشر على الموارد الطبيعية.
جامعة نايف والأمن البيئي….
ساهمت جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية خلال العقود الأخيرة، باعتبارها الجهاز العلمي لمجلس وزراء الداخلية العرب، بدور فعّال لتحقيق الأمن البيئي، إذ قدمت أكثر من 88 دراسة ورسالة ماجستير ودكتوراه في مجال الأمن البيئي والحماية من الأخطار البيئية وعمليات الإنقاذ، وذلك في إطار جهود الجامعة العلمية التي تستهدف رفع مستوى الاستعداد وتطوير أساليب مواجهة الكوارث أو التخفيف من آثارها على الصعيد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والبيئي في الدول العربية.
كما قدمت الجامعة دراسات لعدد من القضايا ذات الصلة، مثل: دور تدابير الدفاع المدني في تعزيز الأمن البيئي، المخاطر المحتملة المرتبطة بالبيئة الطبيعية وغير الطبيعية، وعمليات الإنقاذ وبرامجها وأساليبها في حالات الكوارث، الحريق، والفيضانات.
وتطرقت إلى مختلف القضايا البيئية والأخطار الناجمة عنها، وفعالية دور وإجراءات الدفاع المدني في مواجهة الكوارث، وضرورة الاستفادة بشكل أكثر فاعلية من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في مجال توعية الجمهور بالمخاطر البيئية، وتعريفهم بالتدابير الوقائية التي يجب عليهم اتّباعها لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.
وإلى جانب ما يزيد على 34 إصدارًا علميًا محكّمًا عن مركز البحوث الأمنية، فقد نفذت الجامعة سلسلة من البرامج التدريبية والندوات العلمية بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية، وأحدثها ندوة “التدابير الوقائية في مواجهة الجرائم البيئية وحرائق الغابات”، التي ستُنظم بالتعاون مع إمارة منطقة عسير ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” ، بهدف إبراز الدور الوقائي للتدابير الاستباقية في الجرائم البيئية للحد من حرائق الغابات في الدول العربية والحفاظ على الاستدامة التنموية وجودة الحياة، وستُعقد خلال الفترة من 7-9 يونيو 2022م في مدينة أبها بمنطقة عسير بالمملكة العربية السعودية، بالتزامن مع الاحتفال بيوم البيئة العالمي، ومواكبةً للاحتفال بمرور 50 عامًا على إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي انطلق في “ستوكهولم” عام 1972م.
توصيات جامعة نايف لتطوير الأمن البيئي
وخلال العقود الأربعة الماضية، قدمت الجامعة سلسلة من التوصيات لتطوير الأمن البيئي في الدول العربية، وتحسين أدائه في مكافحة المخاطر التي تهدد البيئة، ونتيجة لهذه الجهود توجت بعضوية الجامعة في مجلس وزراء البيئة العرب تقديرًا لإسهاماتها في هذا المجال.
ومن أبرز هذه الإسهامات توصيات صادرة عن الجامعة تؤكد ضرورة التعامل مع ظاهرة حرائق الغابات كأولوية في المجال البيئي والأمني والاقتصادي، وأن تتبنى الجهات المعنية استراتيجية شاملة للحد من حرائق الغابات وعدم الاقتصار على إمكانيات الدفاع المدني، ودعم الدفاع المدني على مستوى الكوادر والتجهيزات والمعدات التقنية وأدوات إطفاء الحرائق، وإعادة النظر بالإجراءات المطبقة لدى أنظمة الدفاع المدني في مجال الحد من حرائق الغابات، وإلحاق منسوبيه بدورات خارجية في الدول التي تعاني من هذه الظاهرة.
وكذلك العمل على رفع مستوى الوعي الاجتماعي بأهمية الغابات وحجم الأضرار الناجمة عن الحرائق التي يتسبب فيها الإنسان، وذلك عبر وسائل الإعلام والمناهج التربوية، إقامة أبراج مراقبة وخزانات مياه داخل الغابات، وكذلك أبراج رش (أوتوماتيكية)، وتفعيل النصوص التشريعية التي تعالج هذه الظاهرة على أرض الواقع.